ما لم يقله أوباما

03:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

عندما يوجه رئيس أمريكي خطاباً إلى الأمة كما فعل أوباما الأسبوع الماضي فهذا يعني أن لديه جديداً يريد أن يخبر مواطنيه به. وعندما تكون هذه الكلمة هي الثالثة له في سبع سنوات كاملة فلابد أن يكون الأمر جلل. وحينما يقرر أوباما أن يبلغ رسالته بهذا الشكل وليس عبر تصريح عادي أو مؤتمر صحفي أو خطاب تقليدي في أي مناسبة فهو يعرف حجم الاهتمام الذي ستثيره، وهو يقصد هذا تماماً. وما دام قد اختار توقيت كلمته وسط ساعات الذروة المسائية، حيث يلتف الملايين حول شاشات التلفاز، فهذا يعني أن ما سيقوله مهم للغاية ولذلك يريد أن يستمع إليه أكبر عدد من مواطنيه.
كان معلوماً أن أوباما سيتحدث عن الإرهاب والحرب التي تخوضها بلاده ضد «داعش». وكان يعلم بالطبع أن الأمريكيين يشعرون بالقلق ويتشككون في نجاح استراتيجيته. ويعرف أيضاً أنهم بعد مذبحة كاليفورنيا التي وقعت قبل خطابه مباشرة يدركون أنهم أصبحوا في قلب الخطر نفسه وليسوا بعيدين عنه. فماذا قال أوباما على ضوء ذلك كله؟ الإجابة ببساطة واختصار هي «لا شيء جديد على الإطلاق».
أكد أن بلاده ستنتصر على «داعش»، وهو يعد بهذا منذ عام تقريباً من دون تحقيق تقدم. قال إنه لن يرسل جنوده لحرب برية جديدة، وهذا أيضاً وعد يكرره منذ سبع سنوات وإن كان لم يستطع أن يلتزم به حرفياً، لأنه اضطر للموافقة على إرسال فرق عمليات خاصة ومستشارين عسكريين لسوريا والعراق. أعاد التأكيد على أن وجود قوات أمريكية على الأرض يمنح «داعش» فرصة ذهبية لتجنيد مقاتلين جدد، في حين يقول منتقدوه إن تمدد «داعش» لم يحدث بسبب الوجود الأمريكي في العراق وإنما نتيجة للانسحاب منه.
حديث أوباما على هذا النحو أثار حيرة الكثيرين وتساؤلاتهم حول الهدف الذي سعي إليه من هذه الكلمة. إذا كان يريد طمأنة الأمريكيين فهو لم يخبرهم بتحقيق أي نجاح وهو الوسيلة الوحيدة لطمأنتهم. لو أراد أن يبدد الشكوك حول جدوى استراتيجيته في محاربة التنظيم فإن الاستطلاع الأخير لشبكة «سي إن إن» يشير إلى أن 64% من الأمريكيين لا يوافقون على أسلوب إدارته للحرب. كما أن 68% يرون أن الرد العسكري على التنظيم أقل قوة مما يجب.
كثيرون في المعسكر الديمقراطي والخبراء من غير السياسيين الذين عملوا في إدارته نفسها باتوا يتشككون في نجاح استراتيجيته وفاعليتها. أحد هؤلاء هو مايكل فيكرز الذي كان مسؤولاً عن مكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع حتى إبريل الماضي، والذي أكد أنه «بأي مقياس فإن الاستراتيجية الأمريكية في العراق وسوريا ليست ناجحة أو ليست ناجحة بما يكفي، والمطلوب استراتيجية أسرع وأقوى». وبصورة أكثر تحديداً قال إن أمريكا احتاجت شهرين فقط لشل «القاعدة» في أفغانستان، وخلال هذين الشهرين شنت عدداً من الهجمات الجوية يماثل تقريباً ما نفذته من غارت في العراق وسوريا خلال ال 16 شهراً الماضية.
النقطة نفسها أي الغارات استوقفت خبيراً آخر هو مايكل موريل النائب السابق لمدير المخابرات المركزية الذي طالب بزيادة الضربات الجوية ضد قيادات «داعش» لتكون مرة أو مرتين أسبوعياً بدلاً من غارة أو غارتين كل 3 أو 4 شهور كما يحدث الآن، وهي معلومة تثبت أن واشنطن ليست جادة على الإطلاق في محاربتها ل «داعش».
جانب آخر في الخطاب رصده صحفي مخضرم هو ديفيد اغنيتيوس الذي تحدث في مقال نشرته «واشنطن بوست» عمّا وصفه بالفراغ أو الثقب أو الصندوق الأسود الغامض في خطاب أوباما. ما يقصده هنا هو حديث الرئيس عن مشاركة قوات برية محلية في العمليات ضد «داعش». تساءل الصحفي عن هوية تلك القوات. فإذا كان أوباما يقصد الأكراد فإن هؤلاء أبلوا بلاء حسناً بالفعل في مناطقهم ولكن لا يمكنهم التوغل في عمق الأرض التي تسيطر عليها «داعش» ولا يستطيعون حسم المعركة. أما إذا كان المقصود هو الميلشيا الشيعية في العراق فتلك أظهرت أداء مهترئاً، وما سقوط الموصل ببعيد، كما أن القبائل السنية لا تثق فيها. دع عنك ما يسمى بالجيش السوري الحر الذي تبين أنه تنظيم على الورق فقط.
لا يبقى بعد ذلك سوى بعد مهم أشار إليه أوباما وهو قدرة «داعش» على تجنيد الإرهابيين. ما لم يقله الرئيس هنا هو الأهم، وهو أن «داعش» لم تعد بحاجة إلى تجنيد عملاء، يكفي أن تقنع الشباب بأفكارها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ليقوموا هم بشن هجمات في مجتمعاتهم. وقد أثبتت مذبحة كاليفورنيا الأخيرة التي نفذها زوجان مسلمان من غير أعضاء التنظيم أن تلك الاستراتيجية أصبحت واقعاً بالفعل.
لن يعرض التنظيم نفسه للخطر بتجنيد عملاء في الغرب ثم إرسال تعليمات إليهم يسهل رصدها. يكفي بث أفكاره في عقول الشباب وسوف يتكفلون هم بالباقي. هذا يعنى أن المطلوب لم يعد يقتصر على هزيمة «داعش» عسكرياً، ولكن مواجهة أفكارها وكشف زيفها. وهي مهمة لا تقوى عليها الطائرات ولا الدبابات، لأنه لا يمكن قتل الفكرة بالرصاص.
السلاح الوحيد الفعال هنا هو الحوار والأفكار لكسب قلوب وعقول الشباب. الشرط الضروري لتحقيق النجاح هو أن يحظى من يتصدى لهذه المهمة بالمصداقية لدى الجمهور المستهدف، وهو شرط قد لا ينطبق على واشنطن الآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"