فن الجهل الذكي

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

في إحدى شركات التكنولوجيا، كان هناك مدير اسمه «كلارك» يتسم بالذكاء الشديد والحنكة في إدارة مصالح العمل وشؤون موظفيه، إلى جانب تمتعه بحكمة نادرة مكنته من نيل محبة واحترام جميع من حوله؛ حيث أصبح في وقت قصير بُعيد توليه المنصب الجديد محطّ أنظار الجميع، والقائد الذي يمشون على خطاه، ويتخذونه مثلاً وقدوة.
وقد استطاع هذا المدير الشاب أن يحقق أرباحاً خيالية للشركة خلال فترة وجيزة، جعلت الكل في حالة صدمة وشعور غامر بالفضول لمعرفة سر هذا الرجل الفذ الذي تمكن من تحقيق ما عجز الكثيرون ممن سبقوه عن تحقيقه.
ولما كان معروفاً عنه معرفته الواسعة وخبرته الطويلة في المجال، إلى جانب سعة أفقه، وكم هو قادر على ابتكار أفكار مبدعة خلال أصعب الظروف وأعقد المشكلات، اقترح المدير في إحدى الجلسات مع زميل له اسمه «جون» بضع أفكار جديدة غير اعتيادية، فما كان من الزميل الفضولي بعد ذاك اللقاء إلا أن استدعى موظفاً يعمل تحت إشراف «كلارك»، وأخبره بأن يذهب إليه ليطرح عليه فكرة على أساس أنه هو صاحبها ويرى ردة فعله، ثم يرجع ويخبره بما جرى، في الوقت الذي كانت فيه الفكرة في الأساس هي واحدة من الأفكار التي طرحها «كلارك» على زميله في مناسبة سابقة.
ولما وصل الموظف إلى مكتب مديره، أخبره على الفور بالفكرة الجديدة، منتظراً ردة فعله وهو خائف من أن يرد عليه المدير قائلاً: «هذه واحدة من الأفكار التي خطرت في بالي منذ بضعة أيام فقط»، إلا أن ما حصل هو أن «كلارك» لزم الصمت لبرهة، ثم قام من على كرسيه ليصافح الموظف ويشكره على اقتراحه المبتكر، بل ويكافئه على تلك الفكرة التي يمكن أن تحدث تغييراً ملموساً في العمل.
ذهل الموظف لموقف مديره، وذهب على الفور إلى مكتب «جون» ليسرد له ما حدث، فضحك المدير الفضولي وقال: «بالفعل رجل يستحق كل التقدير والنجاح الذي حققه».
من الجميل أن تملك أفكاراً رائعة، ومن المميز أن تكون رجلاً ذا خبرة واسعة ومعرفة غزيرة، لكن الأجمل هو أن تتقن فن الجهل الذكي، فتتظاهر بعدم معرفتك لكل شيء من وقت لآخر، حتى تفسح مجالاً للعاملين تحت إشرافك؛ كي يعبروا عن أنفسهم ويطرحوا أفكارهم، بل وتكافئهم على اجتهادهم حتى لو كانت مقترحاتهم من ضمن ما خطر ببالك مسبقاً.
إن الإداري الناجح هو الذي يُؤْثر أن يسمو بالآخرين، ويرتقي بخبراتهم، ويحفز طاقاتهم، ويشحذ هممهم، ويوقد عقولهم، ولا مشكلة عنده في أن ينسب الفضل كله لموظف أدنى منه في المرتبة الوظيفية، ذلك أنه يرى بأن وظيفته الأساسية هي خدمة مصالح المؤسسة والمساهمة في نجاحها ونجاح كل شخص فيها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"