الرمادي بين الغزو والفتح

01:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبدالخالق

سبعة أشهر تقريباً فصلت بين غزو تنظيم «داعش» الإرهابي لمدينة الرمادي، وتحريرها على أيدي قوات الجيش العراقي بدعم من سلاح الجو العراقي والأمريكي.

بين الغزو والتحرير، وقبلهما وبعدهما أيضاً، تعيش المدينة العراقية المنكوبة مأساة حقيقية. هجرها أهلوها هرباً من ويلات الحرب وقسوتها. تحولت الأحياء العامرة النابضة بالحياة إلى خرائب وأطلال. خرج «داعش» وجاء الجيش، ولكن هذا وحده لا يضمن تلقائياً أن تسترد المدينة عافيتها، وأن تعود إليها الحياة سريعاً، أو يرجع إليها أبناؤها من منافيهم الاختيارية والإجبارية.
لا يعني أنها أصبحت تحت سيطرة الحكومة العراقية بدلاً من «داعش»، أنها وغيرها من المدن، ستنعم بالعدل الذي حرمت منه على أيدي نوري المالكي رئيس الوزراء السابق الذي أذاق منطقة الأنبار الأمرّين بسياسات الإقصاء والتهميش الطائفي التي اتبعها.
من الواضح حتى الآن أن العبادي استوعب الدرس جيداً، بدليل أنه اعتمد في تحرير الرمادي على الجيش، وليس على قوات الحشد الشعبي.

هذا المرة تصرفت الحكومة على نحو أكثر وعياً ونضجاً، حتى لو كان استبعادها لميليشيا الحشد الشعبي تم بضغط أمريكي واضح. المكسب الأكبر الذي حققه العبادي من هذا التوجه، أي الاعتماد على الجيش النظامي، هو أنه أتاح الفرصة عبر معركة تم التخطيط والاستعداد لها جيداً، لإعادة الثقة والهيبة للجيش بعد هزيمته المذلة أمام «داعش» عند استيلائه على الرمادي في مايو/أيار 2015. استعادة ثقة الجيش بقدراته وثقة العراقيين بجيشهم مكسب كبير لا يقل عن إعادة الرمادي.

قد تكون احتفالات الحكومة بتحرير المدينة مبالغاً فيها، ولكن يمكن التماس العذر لها لأن هذا النصر، حتى لو لم يكن مكتملاً، هو أول وأهم إنجاز عسكري عراقي منذ نحو عام ونصف العام، أي منذ اجتياح «داعش» للموصل وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي العراقية في يونيو/حزيران 2014. ويمهد تحرير الرمادي لبدء حملة لاستعادة كل تلك الأراضي، وفي مقدمتها الموصل، وهو الهدف المقبل الذي تعهد العبادي بإنجازه في العام الجديد. وفي حالة حدوث مثل هذا التطور يكون وجود «داعش» قد تقلص كثيراً وعلى نحو حاسم في العراق، لاسيما بعد الحملات الناجحة لتحرير تكريت، وبيجي، وسنجار بالتوازي مع عين العرب (كوباني)، والعمليات الناجحة ضد التنظيم في سوريا.

لا يعنى هذا أن النصر أصبح في متناول اليد، لأن هناك تحديات وصعوبات كثيرة تكبح الإفراط في التفاؤل. التحدي الأكبر سيكون في قدرة الحكومة على بدء صفحة جديدة مع مواطنيها في المناطق التي يسيطر عليها «داعش». وسيكمن كذلك في مدى استعدادها لتلبية مطالبهم ورفع المظالم التي يعانونها، والاعتماد عليهم في إدارة مناطقهم وحمايتها. ثم هناك إعادة التعمير وإعادة توطين السكان وتوفير احتياجاتهم المعيشية. الفشل في تحقيق هذه الأهداف ينذر بتفجير عاصفة من الفوضى والاضطرابات، ربما تجعل الوضع أكثر سوءاً من احتلال «داعش» لتلك المدن.

ولا يغيب عن الذهن هنا أن الرمادي على نحو خاص، تمثل اختباراً لنوايا وقدرة العبادي على التغلب على صعوبات الماضي، وعدم تكرار أخطائه. ذلك أن المدينة كانت مهد الاعتصامات التي تفجرت عام 2012 وقمعها المالكي بقسوة. كما أن المدينة هي عاصمة الأنبار التي كانت موطن إطلاق حملات الصحوة لمواجهة القاعدة خلال الاحتلال الأمريكي.
نقطة الضوء الوحيدة هنا يمثلها قرار العبادي بإسناد مهمة التحرير للجيش وليس لميليشيا الحشد الشعبي، تجنباً للتوترات الطائفية، وهو ما يشي بإحساسه بالجرح الذي يعانيه السكان هناك. يبقى أن يبرهن بقراراته التالية على أن تلك ستكون سياسية راسخة وليست تنازلاً عارضاً، أو استجابة للضغط الأمريكي.
على الجانب العسكري، ومن دون التقليل من إنجاز الجيش، هناك ما يدعو للاعتدال أو التحفظ في الاحتفاء بفتح الرمادي. ذلك أنه لم تكن هناك في الحقيقة معركة كبرى مع «داعش». ويلفت الجنرال الأمريكي المتقاعد باري ماكفري النظر إلى هذه الحقيقة بقوله إن 19 ألفاً من مقاتلي «داعش» كانوا قد انسحبوا من المدينة قبل دخول الجيش العراقي وتركوا فيها نحو 150 انتحارياً فقط، هم من واجههم الجيش. يضاف إلى ذلك أن أجزاء عدة من أطراف المدينة لم يدخلها الجيش بعد. وأن سيطرته على قلبها لا يعني تحريرها بالكامل، أو تطهيرها من «داعش» الذي سيلجأ حتماً إلى تكتيكات حروب المدن بشن هجمات خاطفة من دون مواجهات ضخمة. ولو أثبتت الأيام أن هذا هو خيار «داعش» فإن ذلك سيعني أنه كان من المبكر جداً إعلان تحرير الرمادي.

جانب آخر يرصده مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو أن خسارة «داعش» للرمادي لا تمثل كارثة حقيقية للتنظيم الذي كان يعرف أنها ستسقط في نهاية المطاف. كان «داعش»، وما زال يعتبر الرمادي نقطة متقدمة للدفاع عن الموصل. ولمنع القوات الحكومية من الزحف شمالاً لتحريرها، حرص التنظيم على استنزافها في أكثر من نقطة، منها الرمادي.
على ذلك، فإن أم المعارك العراقية الجديدة ستكون ملحمة تحرير الموصل. هذا هو الاختبار الحقيقي ل«داعش» والعبادي معاً، ولا بديل أمامهما سوى الانتصار الحاسم، أو الانكسار النهائي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"