عادي

هل ترمّم الصين تصدّعات «الناتو»؟

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد- بنيمين زرزور

معطيات القمم الثلاث التي شارك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأسبوع الماضي، تؤكد على أن بوصلة البيت الأبيض متجهة نحو معالجة التحدي الصيني عبر مسارات مدروسة بعناية، أهمها تمتين العلاقات مع الحلفاء وتقليص دائرة الخصوم، وسرعة التحرك قبل أن تتغير المعادلات على الأرض في غير ما تشتهيه سفن القيادة الأمريكية «المستردة» لمسرح العمليات العالمي.

 لعل قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت في بروكسل كانت الأبرز على صعيد بلورة الخطوات العملية في المواجهة المفترضة مع الصين. فقد جدد الغرب عزمه على مواجهة الخطر الصيني المزعوم خلال القمة التي كشفت عن الكثير مما في جعبة واشنطن، بينما بقيت جُعب الأعضاء الآخرين رهن مصلحة كل دولة، ورهن تطورات المواجهة في ما هو منتظر، وربما قريباً.

 ودعت قمة «لمّ الشمل» بكين في ما اعتبر رسالة شديدة اللهجة، إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والسماح بحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي. ولم يتأخر الرد الصيني على الرسالة، حيث وصفت الصين اتهامات الناتو بأنها «تلاعب سياسي وتدخل في شؤونها الداخلية». وكان الرئيس بايدن حذّر من أن حلف الناتو يواجه تحديات جديدة في التعامل مع الصين وروسيا، متعهداً بتجديد دعم واشنطن لحلفائها. وقال بايدن: «أعتقد أنه خلال العامين الماضيين، أصبح هناك إدراك متزايد بأن لدينا تحديات جديدة. لدينا روسيا التي لا تتصرف بالطريقة التي كنا نأملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين».

 وعشية القمة، دعا السكرتير العام للحلف، ينس ستولتنبرج، زعماء دول الحلف إلى وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين. وقال «إن الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم وأكبر قوة بحرية، وتستثمر بشكل هائل في القدرات النووية والأسلحة المتطورة، وهذا يؤثر في أمننا».

 وناقشت القمة المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف حتى عام 2030، وتعزيز التنمية التكنولوجية، ومكافحة تغير المناخ، والتهديدات في الفضاء الإلكتروني والفضاء الكوني.

 حلف مأزوم

 من الواضح أن حلف شمال الأطلسي الذي يعاني تصدعات لا تخفى في الوقت الراهن، تغذيها صعوبات التوافق السياسي على عدد من القضايا الاستراتيجية، أضيفت إليها متاعب مالية عززتها الجائحة، قد فقد أهميته كتحالف عسكري مكرس لمحاربة الاتحاد السوفييتي أساساً. كما تعاني روابط الحلف عدم التجانس الذي تظهر فقاعاته بين أزمة وأخرى. فبالنسبة إلى أوروبا الشرقية، كان الانضمام إلى «الناتو» الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى وعود بالتنمية الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها في ظل عدم وجود تهديد خطير بنشوب صراع يلوح في الأفق، قادم من الشرق.

 ويقضي المبدأ التأسيسي لحلف الناتو بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو أمر مهم للغاية ولكنه بعيد المنال. ولكن مع تطور «الناتو»، أنشأ قوائم بالتهديدات وتقييمات المخاطر التي يواجهها، لكن لا تحظى كلها بالقبول نفسه، خاصة في دول غرب أوروبا التي تربطها بالصين وروسيا مصالح تتناقض مع الإلحاح الأمريكي.

 ما الجديد الآن؟

 جرى أحدث تطوير للمفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو في عام 2010. وقد تمت كتابته في سياق الحرب في أفغانستان، حيث استعرض «منافسة القوى العظمى»، ولكنه لم ينظر إلى إمكانية ظهور روسيا والصين كمنافسين محتملين للنظام القائم. وأدت جائحة كورونا إلى تسريع الاتجاهات الجيوسياسية القائمة. فقد أوضحت أزمة سلاسل التوريد الحاجة إلى بناء لوجستيات آمنة للعمليات الاستراتيجية، وسلطت الضوء على مدى تضرر الأوروبيين من الاعتماد المفرط على الصين. ببساطة، أدى صعود الصين والتهديد الروسي المستمر إلى تجمع «الناتو» حول هدف مشترك جديد.

 توزيع الأدوار

من الواضح أن السماح للولايات المتحدة بتركيز مواردها، بما في ذلك العسكرية، في المحيط الهادئ، يتطلب تقسيم العمل داخل «الناتو»، ما يفرض على الأوروبيين تحمّل مسؤولية الدفاع عن قارتهم ، ولكي يتمكن حلف الناتو من تحقيق هدفه المعلن، لن يحتاج الأوروبيون إلى الاستثمار في جاهزية قواتهم فقط، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى لعب دور نشط مع الصين. ويبدو أن بروكسل بدأت تفهم الكثير. فقد أجّل البرلمان الأوروبي المصادقة على اتفاقية الاستثمار المشترك مع بكين.

 ولكي ينجح «الناتو» في مواجهة الصين، يحتاج إلى تعزيز الدعم من خلال منصة من التحالفات الاقتصادية التي تفسح المجال لتعزيز الثقة والبنية التحتية اللازمة للتشغيل البيني العسكري. ويبدأ ذلك بالمزايا العسكرية الاستراتيجية التي يوفرها التحالف للولايات المتحدة وأوروبا، مثل ضمان الوصول إلى موارد التكنولوجيا الفائقة، والأهم من ذلك، منع الصين من الحصول عليها. وقد بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مناقشات حول إمكانية إنشاء اتفاقية عبر الأطلسي بشأن الذكاء الاصطناعي. 

 ولا شك في أن الصين قوة اقتصادية يمكن أن تصبح القوة التكنولوجية الرائدة في العالم، وهو عامل لم يكن متوفراً في المواجهة مع الاتحاد السوفييتي. ويريد «الناتو» من أعضائه الحفاظ على تفوقهم في ما يسمى بالتكنولوجيا الثورية الناشئة. وهذا يعني أن «الناتو» بحاجة إلى التعامل مع الكيانات الخاصة التي تطور التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والتأكد من حماية هذه الابتكارات من الاستغلال. ونظراً لأن «الناتو» حدد تقليدياً معايير التقنيات العسكرية لأعضائه، فقد يلعب دوراً مشابهاً في وضع معايير التشغيل البيني للتكنولوجيا الثورية الناشئة وفي تحديد معايير استخدامها، وكذلك في ضوابط التصدير لمنع وقوعها في أيدي الخصوم عموماً، والصين على وجه الخصوص. وتشير إمكانية التشغيل البيني أيضاً إلى تبسيط خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ومشاركة مجموعات البيانات، ما يجعل من الضروري وضع بعض قواعد الاستخدام المشتركة للذكاء الاصطناعي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

كل هذا يتطلب تنسيقاً بين الدول الأعضاء. ويمكن للوضع الحالي في العالم أن يوسع المهمة العسكرية لحلف الناتو، مع الاستفادة من الزخم السياسي الجديد. لكن في ظل المشكلات الاقتصادية التي تواجه جميع الدول الأعضاء - لا سيما دول أوروبا الغربية – قد لا تسفر كل هذه الجعجعة عن أي طحين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"