عادي
بعد توجيه محمد بن راشد بتحويل 80% من جلسات المحاكم عن بُعد

التقاضي الإلكتروني..سمة أساسية لمحاكمات المستقبل

01:10 صباحا
قراءة 6 دقائق
التقاضي الإلكتروني

تحقيق: آية الديب

وجه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بتحويل 80% من جلسات المحاكم الاتحادية إلى جلسات تقاضٍ عن بُعد بشكل دائم، قبل نهاية2021؛ حيث أكد نجاح الإمارات في تبنّي أنظمة ذكية للتقاضي عن بُعد خلال جائحة «كورونا»؛ إذ أدت منظومة القضاء في الدولة دوراً محورياً في ترسيخ أسس العدالة وسيادة القانون بين أفراد المجتمع.

كما أكد سموّه، أن الإمارات طورت بنية تحتية رقمية متقدمة على مدى السنوات الماضية، وتعدّ أساساً صلباً لتوسيع المجالات التي تتبنّى الحلول الرقمية؛ لتقديم الخدمات الحكومية، ومنظومة القضاء محور مهم لتقدم المجتمع وازدهاره، وضمان العدالة لأفراد المجتمع، على الرغم من التحديات، وهي سمة الدول الناجحة ومعيار لكفاءة مؤسساتها وريادتها.

في هذا التحقيق نتناول التحديات الكثيرة التي فرضتها جائحة «كورونا» في مختلف القطاعات؛ ومنها القضاء الذي تحول إلى الطابع الإلكتروني، متخذاً من التحدي فرصة للتطور والاعتماد على التقنيات الحديثة، ونجاح دولة الإمارات في تطبيق التقاضي عن بُعد، وتحويل الإجراءات الاعتيادية الورقية، إلى إلكترونية، كان سريعاً؛ لكونها في طليعة الدول التي عُنيت بتنظيم هذا النوع من التقاضي، قبل الجائحة بسنوات، ولكن بعد نجاح التقاضي عن بُعد خلال الجائحة، كيف ستتواصل المحاكمات بعد انقضائها؟

مسؤولون في قطاع العدل أكدوا أن استمرارية تطبيق التقاضي عن بُعد أضحت ضرورية؛ لإثبات نجاحه. والقانونيون أكدوا أن الاعتماد على التقنيات الحديثة بشكل عام، وفر حلولاً لكثير من التحديات السابقة التي كان يواجهها المتقاضون.

كما أكدوا أن تطبيق التقاضي الهجين هو الحل الأمثل بعد انقضاء الجائحة، واستمرارية التقاضي عن بُعد تحددها طبيعة القضايا.

التغيير يفرض ذاته

أكد القاضي الدكتور سعيد النقبي، القائم بأعمال وكيل وزارة العدل، أن مختلف المحاكم في الدولة حققت إنجازات كبيرة خلال الجائحة؛ بفضل الرؤية المستقبلية الثاقبة لحكومة الإمارات، ومبادراتها في مواكبة التطورات التقنية والتحول الذكي الذي بدأت مؤسسات الدولة ومنها وزارة العدل العمل عليه منذ أعوام طويلة.

وقال: أصبح مجتمع القضاة والمحامين والخبراء القانونيين ومعهم الأغلبية العظمى من المتقاضين، يفكرون في التقدم إلى الأمام، والبحث عما بعد «كورونا»، وعدم العودة إلى زمن التقاضي التقليدي الذي يستوجب حضور الجميع إلى قاعات المحاكم في الوقت المحدد.

وأضاف: عجلة الحياة لن تتوقف، والتغيير سيفرض ذاته على الجميع وإن كان بعض الأجيال الحالية يلاقي صعوبة في التأقلم مع التعامل الإلكتروني والذكي، فإن الأجيال القادمة لن يكون لديهم أدنى مشكلة في ذلك؛ لأنهم نشأوا وتربوا على التعامل معها، وستكون شيئاً عادياً جداً؛ بل ستكون لديهم إشكالات من نوع مختلف مثل التأقلم مع القاضي ووكيل النيابة الروبوت، أو التأقلم مع الأحكام التي تصدر عن أنظمة الذكاء الاصطناعي.

ضرورة مُلحّة

وأكد المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، من دائرة القضاء في أبوظبي، في دراسته المنشورة في العدد الخاص بفيروس «كورونا» من مجلة «القضاء والقانون»، التي تصدر عن مركز الدراسات والبحوث القضائية في الدائرة، أن التقاضي عن بُعد أصبح ضرورة ملحّة، ودولة الإمارات كانت في طليعة الدول التي عُنيت بتنظيم هذا النوع من التقاضي. وقال: الإمارات استشرفت المستقبل وتحركها في التقاضي الإلكتروني لم يكن مرتبطاً باجتياح «كورونا» للعالم وكان سابقاً عليه بسنوات، فتنفيذ نظام التقاضي عن بُعد كان يلزم تهيئة البنية التحتية اللازمة لتطبيقه، سواء بإعداد التجهيزات الفنية اللازمة لتطبيقه أو بإصدار الأدوات التشريعية المختلفة من قوانين وقرارات وتعاميم لازمة؛ لتوجيه مختلف مستويات العناصر البشرية المنوط بها تطبيق العدالة، أو الذين تتصل وظائفهم بهذا الأمر.

وأضاف: قبل الجائحة أصدرت الإمارات تشريعات مختلفة تفصح عن إرادة جادة من جانب المشرّع الإماراتي للأخذ بنظام التقاضي الإلكتروني، ومنها القانون الإماراتي رقم (5) لسنة 2017، باستخدام تقنية الاتصال الرقمي في الإجراءات الجزائية، والمرسوم بقانون اتحادي رقم (10) لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات المدنية والقرار الوزاري رقم (259) لسنة 2019، بتعديل الدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بُعد في الإجراءات الجزائية، إضافة إلى القرار الوزاري رقم (260) لسنة 2019، بالدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بُعد في الإجراءات المدنية، وهي تشريعات أدت إلى تقديم الخدمات العدلية القضائية بإجراءات ميسرة.

وأشار إلى أن المنظومة المعلوماتية التي وضعتها الدائرة لاستمرار استخدام وسائل التقنية الحديثة والاتصال عن بُعد في الخدمات القضائية والعدلية، سيؤديان مستقبلاً إلى تحقيق أهداف تصب في الحد من انتشار الأوبئة، وتخفيف العبء على أماكن الاحتجاز، وتسهيل إجراءات الوقاية داخلها. كما يؤديان إلى تخفيف عبء العمل أمام المحاكم والنيابات ومن ثم الاقتصاد في الإنفاق، ما يتيح تحسين المستوى الاقتصادي في مجالات أخرى.

حلول للتحديات

المحامي زايد الشامسي، أكد أن التقاضي عن بُعد يسّر الأمور القضائية على المحامي والمتقاضين وعلى القضاة؛ إذ أوجد حلولاً ناجعة في ظل الجائحة مكنت أطراف النزاع من إنهائه بطريقة سليمة محققة للعدالة.

وقال: تمثل التشريعات عائقاً من عوائق تطبيق التقاضي عن بُعد، إلا أن دولة الإمارات كانت سبّاقة بوجود هذه التشريعات، ما سمح للمحاكم باستخدام تقنية الفيديو والتحدث عن بُعد للفصل في النزاعات والدعاوى. كما واصلت دعم التقاضي عن بُعد باستحداث تشريعات جديدة؛ تساعد على استخدام التقنية في الجهاز القضائي؛ لتسهيل الوصول إلى العدالة الناجزة.

وأضاف: الاعتماد على التقنيات الحديثة، بشكل عام، وفر حلولاً لكثير من التحديات السابقة التي كان يواجهها المتقاضون، كالزحام على الطرق أو الاضطرار للتغيّب عن العمل لحضور الجلسات، وصعوبة متابعة القضايا في الأقسام المختلفة.

وتوقع استمرار التقاضي الإلكتروني بعد انقضاء الجائحة، قائلاً: أغلب القضايا يمكن مواصلة مباشرتها عن بُعد إلا القضايا الجزائية؛ إذ إنها ستحتاج إلى حضور المتهم، وبشكل عام من الأفضل ترك الخيار للمتقاضين.

توجيه أسري

ورأى المحامي محمد البلوشي، أن الإجراءات الناجحة التي اتخذتها الجهات المعنية لضمان استمرارية التقاضي خلال الجائحة، ستظل مرجعاً وخطة معدة لمواجهة أي طوارئ مماثلة في المستقبل، ولكن بعد انقضاء «كورونا» الأفضل عودة عملية التقاضي كما كانت في السابق نسبياً.

وأوضح: إن بعض الأمور القضائية مباشرتها تقليدياً، أفضل من مباشرتها إلكترونياً، وهو ما ينطبق على عمل لجان التوجيه الأسري، فحضور الأطراف أمام الموجه الأسري له تأثير أكبر في حل الخلافات الأسرية، وفي المقابل نجد أن مراحل تحضير الدعوى القضائية، أثبتت الإجراءات الجديدة لإنجازها عن بُعد فاعليتها وسرعتها مقارنة بالسابق.

تقليل النزاعات

واختلف معه المحامي علي المنصوري؛ حيث قال: أسهم التقاضي عن بُعد في تقليل بعض النزاعات التي تعرض أمام المحاكم؛ ففي قضايا الأحوال الشخصية يؤدي رؤية الزوج لزوجته في قاعة المحكمة، إلى تفاقم الأمور بينهما، فيما يجنّب التقاضي عن بُعد وقوع أي مشكلات بين الأطراف، وأثبت نجاحه في أمور عدة، وفي قضايا متنوعة. مطالباً بزيادة عدد الموظفين العاملين على الرد على الطلبات القضائية للمتقاضين.

طبيعة القضايا

وقال المحامي عادل آل ربيعة: حقق التقاضي عن بُعد مميزات عدة للمحامي، منها دخوله باستخدام الوسائل التقنية على الموعد المحدد لقضيته، على عكس ما كان في السابق، يحضر الجلسة كاملة في انتظار النداء على موكله، وبفضل التقاضي عن بُعد أيضاً، أصبح بإمكان المحامي متابعة أكثر من قضية في آن واحد.

وأضاف: استمرارية التقاضي، عن بُعد، بعد انقضاء الجائحة، تحددها طبيعة القضايا، فالقضايا التي تباشرها محاكم الجنايات تحتاج إلى مرافعات ودفاع من الأفضل أن يكون في قاعات المحاكم وجهاً لوجه؛ نظراً لشدة العقوبات وكذلك في قضايا الأحوال الشخصية ودعاوى الطلاق والنفقة، فمن الأفضل حضور الأزواج فيها ونظرها بشكل مباشر. وفي المقابل هناك دعاوى يمكن إنجازها إلكترونياً كاملة، كالمدنية والعمالية والتجارية، والخاصة بالنزاعات العامة كالعقارات وغيرها.

وتابع: لا بدّ من وجود مؤشرات أداء تحكم مدى فاعلية التقاضي، عن بُعد، مع كل نوع من أنواع القضايا وسرعة إنجازها والفصل فيها. كما يحتاج نظام التقاضي في القضايا الجزائية في أبوظبي، إلى آلية تمكن المحامين من الاطلاع على ملفات القضايا بسهولة.

تقاضٍ هجين

أما المحامي سالم الحيقي، فقال: تجربة التقاضي عن بُعد في الجائحة تميزت بسرعة نقل نظر القضايا، وعدم تأجيلها لما بعد الجائحة التي لم تنته حتى الآن، إلا أنها في الوقت نفسه أرهقت الكثير؛ بسبب عدم وجود قنوات تواصل سريعة تجمع المتقاضين مع الجهات القضائية سواء للاستفسار أو لتقديم طلبات مختلفة.

وأضاف: لاحظنا خلال المرحلة الأخيرة، أن الكثير من المتقاضين سعداء بالتقاضي عن بُعد، لبعد المسافة أو للسفر خارج الدولة، أو لأسباب صحية مختلفة، وأثبت نجاحه في كثير من الشؤون، أبرزها عمل لجان التوفيق والمصالحة ومكاتب تحضير الدعاوى.

وتابع: بعد انقضاء الجائحة التقاضي الهجين هو الحل الأمثل، على أن يستمر نظر الدعاوى عن بُعد كما هي الحال الآن، مع السماح للمتقاضين بمراجعة الجهات القضائية في حالة حاجتهم لإجراء أية معاملة أو رغبتهم في تقديم طلبات مستعجلة أو لديهم استفسارات ضرورية؛ لأن الزمن عنصر مهم في إجراءات التقاضي، وإن لم يلتزم به أي طرف قد يترتب على ذلك خسارة دعواه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"