الدراما ترياق ضد التشدد

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

من رحم الشارقة؛ باريس الشرق، انبثقت ثورة معمارية وثقافية هادئة ولكنها هائلة، فصارت مثالاً يحتذى عالمياً في برامج التنمية المستدامة التي تؤهل الاقتصاد بموازاة مع تأهيل الإنسان، هي باريس وأكثر؛ لأن باريس  كما هي اليوم  شيّدت على مدار ثلاثة قرون، أما شارقة التنوير العربي فاستوت في ثلاثة عقود لا غير ولا تزال في تحول وتطور، بفضل حاكم حكيم من طينة نادرة تجمع حنكة السياسي، وجرأة المثقف، ورهافة الشاعر، إنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة.
الأعمال المسرحية العظيمة لسموه التي هي اليوم جواهر متلألئة، تلبي حاجة القارئ الفرنسي التواق إلى استكناه مجاهل المسرح العربي، خصوصاً أن المسرح بالنسبة للفرنسيين هو أبو الفنون، وعنوان حضارة الشعوب، والأدب الذي لا يُعلى عليه. لقد ظهرت على مدار عقود ترجمات بالفرنسية لروائع الأدب العربي الحديث في الشعر كما في الرواية، ولكن ظل المسرح العربي غائباً أومغيباً، واليوم تأتي الأعمال المسرحية لسموه لتحوّل الغياب إلى حضور فاعل، وما كان مجهولاً لدى الفرنسيين إلى معلوم، وتضع التراجيديات العربية في مكانها الصحيح إلى جوار المسرحيات العالمية العظيمة.
صحيح أن الأوروبيين سبق وأن تعرّفوا إلى هذه الأعمال من خلال إنتاجات مسرح الشارقة التي جابت كبريات الخشبات العالمية، ولكن لذة تلقيها بلغة راسين وموليير وكورني، لها مذاق خاص لدى الفرنسيين الذين تُجمع نخبتهم المثقفة على قيمة أعمال سموه، باعتبارها تحارب التعصب الديني والسلطوي، وتدين الإرهاب بكافة أشكاله؛ بل تحلل  بشكل عميق  مسبباته التي لا علاقة لها برسالة الإسلام السمحة.
قراء المسرح في فرنسا وهم يتلقون هذه الأعمال العظيمة، يفهمونها بسرعة ويتجاوبون معها بيسر وسهولة؛ لأنها تتجاور وذخيرتهم المسرحية الخالدة، بحيث تعزز لديهم القناعة بعظمة الثقافة العربية والإسلامية، أو ليس علياء وعصام هما المعادل العربي لمأساة روميو وجوليت، حيث مولد التراجيديا من رحم الغنائية العربية، وكذلك النمرود، أليست هي النص العربي الإسلامي المجاور لكاليجولا رائعة ألبير كامي المستوحاة من التراث الروماني؛ بل إن القارئ الفرنسي يجد ذاته وحضارته في هذه الأعمال: الإسكندر الأكبر، شمشون الجبار، مثلما يتعلم عبراً من تاريخنا المجهول لديه: الحجر الأسود، طورغوت وغيرها من الأعمال العظيمة.
لذلك لا غرابة أن تصيب مسرحيات سموه في بلاد الأنوار، خاصة أنه ملم خير إلمام بثقافة هذه الحاضرة، عرف بها عربياً في تآليفه. 
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحثة في المسرح النسائي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"