دور مصر المفتقد عربياً

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحاب

ليس الأمر جديداً أو مفاجئاً، بل يعود إلى عقود مضت، عندما وصل دور مصر العربي في العصر الحديث إلى عنان السماء، في عقد الخمسينات، بعد نجاح معركة كسر احتكار السلاح الغربي، وتأميم قناة السويس، والنجاح في تحدي بناء مشروع السد العالي، الذي كان الغرب يعاديه بكل ضراوة، ونجاح سياسة إقامة العدالة الاجتماعية في مصر، أكبر الأقطار العربية، ثم قيام أول وحدة عربية حديثة بين قطرين عربيين كبيرين: مصر وسوريا.
لذلك، كانت الضربة الأولى التي وجهت إلى هذا الصعود العالي لدور مصر، بقيادة جمال عبدالناصر، هي نجاح مشروع الانفصال بين مصر وسوريا في العام 1961، لأسباب مختلطة بين الداخلي والعربي والدولي.
لكن دور مصر العربي؛ كتب له تحت قيادته التاريخية أن ينهض مجدداً، حتى تلقى الإنذار الأمريكي الأكبر، في رسالة الرئيس الأمريكي جونسون إلى جمال عبدالناصر، التي حملت تهديداً بضرب مصر ومعاقبتها، إذا لم تتخل عن كل عناصر نهضتها الداخلية، ودورها العربي المتعاظم، وإذا لم تقم هي بنفسها بتفكيك كل هذه العناصر، والتخلي عنها.
وبالفعل، ولأن رد عبدالناصر الطبيعي على رسالة التهديد الأمريكية، كان الرفض الكامل، والإهمال الكلي، فقد جاءت الضربة لدور مصر العربي بالحرب «الإسرائيلية» في العام 1967، التي نهضت بعده عملية استعادة كل المكاسب التي ضربتها هزيمة 1967 العسكرية، عن طريق حرب الاستنزاف وحرب العبور التي كان يخطط لها عبدالناصر، تحت شعار إزالة كل آثار العدوان الجغرافية والسياسية، أي استعادة أرض سيناء المصرية والجولان السورية، والضفة الغربية لنهر الأردن، من الاحتلال أولاً، ثم استعادة دور مصر العربي كما في عز ازدهاره،
لكن معركة العبور لم تتم إلّا بعد رحيل عبدالناصر، وتمت بقيادة السادات السياسية، التي توجت كل ذلك، بتوقيع اتفاقية كامب دافيد في العام 1978، فتم خضوع مصر تماماً للتهديد الوارد في رسالة جونسون، والتنازل كلياً عن دور مصر العربي، تحت شعار انعزالي مفاده: «لم تعد مصر بنك دم لسائر العرب»، كما حدث في حروب 1956 و1967 و1973.
منذ ذلك اليوم، وطيلة حكم حسني مبارك، بعد اغتيال السادات، لثلاثة عقود متواصلة، كان دور مصر العربي قد انتهى، وكانت مصر قد تراجعت على المستوى القيادي ، رغم أنها الشقيقة الكبرى، والمركزية، في الوطن العربي.
وعندما قامت ثورة 25 يناير، كان الأمل أن تقوم تلك الثورة بإنجازات عديدة، منها، بل على رأسها، استعادة دور مصر العربي، الذي طال افتقاد الوطن العربي له.
لكن حدث بعد ذلك ما حدث، وتسلل الإخوان المسلمون إلى الثورة العظيمة، ثم انقضوا عليها بالتسلل من أبواب الانتخابات الديمقراطية. لكن جماهير مصر لم تحتمل هذا التزوير التاريخي لطبيعة ثورة 25 يناير، فقامت بثورة ثانية، مماثلة، بل ربما بعدد أضخم من الجماهير بثورة 30 يونيو، لتصحيح المسار المختل. لكننا فوجئنا بعد النجاح الأولي الباهر لثورة 30 يونيو، بوقوع نظام الحكم الجديد في مصر، تحت أعباء المشكلات الداخلية المتراكمة، وعلى رأسها حالة الخلل الاقتصادي، وعدم التوازن الاجتماعي ، الأمر الذي أجل على ما يبدو مسألة استعادة مصر لكامل انطلاق دورها العربي، كما كان قبل توجيه ضربة الانفصال في العام 1961، وهزيمة 1967.
واليوم،ورغم التحسن في معدلات الأداء واكتمال خريطة الطريق السياسية إلا أن مصر تعاني أثقال مشكلاتها الداخلية الديمقراطية والاجتماعية بالغة التعقيد، بملايينها التي كادت تتجاوز المئة مليون نسمة ، ونأمل أن تتجاوزها قريباً
صحيح أن مصر تدفع ثمن هذا التأخر عن استرداد دورها العربي بكامل طاقته، لكن الوطن العربي بسائر دوله وأقاليمه، يدفع هو الآخر ثمناً باهظاً لتأخر استعادة دور مصر العربي، بزخمه الذي كان عليه في عقد الخمسينات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"