معركة نظيفة لها ما بعدها

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

منذ بداية عام 2021، تكرر إطلاق الصواريخ من جنوبي لبنان على إسرائيل، وكانت أصابع الاتهام تشير في كل مرة إلى مخيمات الفلسطينيين في الجنوب، أو إلى تنظيمات إسلامية متطرفة، وهو ما لم تؤكده التحقيقات. وكانت إسرائيل ترد بشكل محدود من دون أن توجّه الاتهامات إلى «حزب الله». وظل الحال كذلك حتى الرابع من أغسطس، حيث أُطلقت الصواريخ مجدداً من الجنوب اللبناني باتجاه إسرائيل فردت بالمدفعية والطائرات. 

وأوضحت الأخبار والبيانات أن المواقع المستهدفة كانت تابعة ل«حزب الله» اللبناني، وأصدر الجيش الإسرائيلي بياناً يعلن فيه انتهاء العمليات، وأصدر «حزب الله» لاحقاً بياناً قال فيه إنه أطلق مجموعة من الصواريخ باتجاه أراض مفتوحة رداً على الغارات على الأراضي اللبنانية ومواقعه، والتزم الطرفان الهدوء في مواجهة نادرة يُتفَق فيها على تجنّب سقوط ضحايا بشرية.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التزم «حزب الله» بالتهدئة السياسية والإعلامية والعسكرية؟ هل لأن لبنان يعاني أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، كما يعاني منذ عام تقريباً أزمة فراغ حكومي؟ أم إنه تجنّب التصعيد في الوقت الحالي؛ لأن لبنان لن يحتمل، واللبنانيون لديهم ما يكفيهم من الضغوط وقد ينتفضون ضده؟

الجدير بالذكر أن ضبط النفس هذا لا تمارسه إيران، ونراها ماضية في الرد على الهجمات التي تتعرض لها في سوريا أو في المياه الإقليمية في الخليج العربي أو في بحر عمان؛ بل تواصل عملياتها غير مكتفية بالرد، وأبلغ دليل هو سفينة الشحن التي تحمل علم سنغافورة وتنقل مواد كيماوية أمام سواحل عمان، وقيل إن السفينة تعمل لصالح إسرائيل، وكادت أن تتسبب في حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. ويبدو أن نوايا الحرب لم تتوقف؛ لأن إسرائيل بادرت بحشد الرأي العام العالمي والتشاور مع حلفائها للرد، إما سياسياً أو عسكرياً، وصرحت في ما بعد بأنها تستطيع الرد وحدها، وفي الوقت ذاته تستمر المفاوضات الإيرانية الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني.

هناك  كما يبدو  تعليمات أو قناعات لكل الأطراف بعدم التصعيد والاكتفاء برد هنا وآخر هناك، وهذا التوجه يشمل إيران و«حزب الله» وإسرائيل، وبما أن إسرائيل هي القاسم المشترك فيتضح التنسيق في المواقف ولعب الأدوار كالتالي: يتم إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل ويتم تحميل المسؤولية للفلسطينيين والتنظيمات الإسلامية، وفي هذه الأثناء يواصل «حزب الله» الاستعداد والاستنفار، ومن جهة أخرى تقوم إيران بالرد خارج الحدود الإسرائيلية ولا يكون الاستهداف مباشرة، ولكن إلى متى ستستمر لعبة القط والفأر؟ يبدو أنها ستستمر حتى انتهاء المفاوضات الإيرانية الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني، فإذا نجحت فإنها ستنعكس على الترتيبات جنوبي لبنان، وإن فشلت سنكون في انتظار حسم عسكري كبير ضد «حزب الله»، وربما ضد المفاعلات النووية الإيرانية، وقد تؤدي المعارك إلى حرب إقليمية، أما السيناريو الثالث وهو محتمل أيضاً، فهو أن نشهد حرباً بالوكالة، إما بافتعال حرب أهلية في لبنان، وإما بحرب جديدة ومباشرة بين إسرائيل و«حزب الله».

وبحسب تصورنا، فإن إسرائيل لن تبدأ حرباً ضد «حزب الله» في لبنان لأسباب تتعلق بجبهتها الداخلية، في حين تدعم الجهات المناوئة للحزب، ويبدو أن الشرارة الأولى انطلقت، فحادثة الهجوم على جنازة عنصر تابع للحزب في منطقة خلدة مؤشر واضح، خاصة أن الشيخ عمر غصن، وهو سلفي، هو الذي نسّق للهجوم؛ أي أن المعارك القادمة ستأخذ قالباً طائفيا. وتظل التداعيات مرهونة برد فعل «حزب الله» الانتقامي، واستعداده للدخول في حرب أهلية شاملة في لبنان، وهو الأمر غير المرجح، لكن تبقى السيناريوهات مفتوحة في ظل الشحن الطائفي والمذهبي، حيث تلعب جهات ثالثة على وتر تفجير الاقتتال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"