عادي

وحوش الفقر والجهل في «مدار العنف»

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

تدور أحداث رواية «مدار العنف» للكاتبة «نتاشا أباناه» في جزيرة «مايوت» ضمن أرخبيل جزر القمر، واختار سكان الجزيرة دون باقي الجزر أن تظل تابعة لفرنسا، هنا نحن أمام جزيرة إفريقية حكمها العرب في بعض الفترات التاريخية، وهناك السكان الأصليون الأفارقة، وهم مسلمون على الأغلب، لديهم ثقافة خاصة، وهجينة، وتقع الجزيرة جنوب خط الاستواء، ضمن التقسيم الاسترالي للمناخ والفصول، على أرض الجزيرة بالطبع من كانوا يفضلون الاستقلال والانضمام إلى الدولة الناشئة.

وتلمح الرواية إلى بعض منهم، لكن الأغلبية اختارت البقاء تابعة لفرنسا، لتصبح جزيرتهم المقاطعة الفرنسية رقم 101 حيث يعيش فرنسيون بيض بشكل دائم أو متقطع في الجزيرة، ما يجعلها مسرحاً خصباً لتفاعلات استغلتها الكاتبة ببراعة، لتظهر لنا الكثير من المفارقات الصارخة، مفارقات لا تتعلق فقط بتلك الجزيرة، ولا بهؤلاء الناس، لكنها تتعلق بالعلاقة بين الغرب والجنوب، والاستعمار القديم والسكان الأصليين بثقافتهم وعاداتهم ورؤيتهم للحياة، بل تنفتح على مصائر البشر المقدرة سلفاً، والتي تتحدد أحيانا بمكان الميلاد، وأحيانا يمكن لها أن تتغير بمصادفة نادرة لكن هشة، ومن فرط هشاشتها تكون قابلة لأن تلتهم، فتعيد الشخص إلى قدره المحتوم، كما حدث في الرواية.

مفارقات

في الجزيرة الفرنسية البعيدة مفارقات كثيرة، تدفع الشخوص القادمين من فرنسا الأم إلى التساؤل دوماً: هل نحن حقاً في فرنسا؟ لكن ربما تكون أكبر المفارقات هي حال الكثيرين من أبناء الجزر الأخرى، والذين صوتوا لصالح الانفصال عن فرنسا، ثم بدأوا في إلقاء أنفسهم في البحر، أو في قوارب غير آمنة، لينتقلوا إلى الجزيرة الوحيدة التي اختارت أن تكون فرنسية، وبين هؤلاء وأولئك نشاهد الطبيعة صارخة الجمال، الأشجار العملاقة المجوفة، الشواطئ الساحرة، وأجمل بحيرة في العالم، هذه المعالم التي تبهر الفرنسيين، لكن كل شيء قد تغير، ينتشر المهاجرون غير الشرعيين، ويبدأون في إشاعة الفوضى، واحتلال أجمل الأماكن الطبيعية، وتحويلها إلى مستعمرة من الصفيح.

وفي هذه الأجواء تدور أحداث الرواية التي تبدو بسيطة وإنسانية، يتحدث خلالها عدة أصوات، وهي تخدعنا في البداية ببساطتها، حتى نجد أنفسنا في مواجهة تقطع الأنفاس مع وحوش العنف والفقر والجهل، إنه مدار العنف كمحصلة نهائية، المدار الأخير، ومن تحته تعدد المدارات، وتنبع متعة قراءة «مدار العنف» من تقديم الحدث الواحد من وجهات نظر متباينة، والمكان الواحد بعدة عيون، الحدث الذي يبدو محورياً، وهو جريمة قتل يقوم بها طفل، لكن مع التقدم في القراءة، نتساءل: من القاتل ومن المقتول؟ وإذا كنت ستشعر بجرم المقتول وبالتعاطف مع القاتل، فإنك ستشعر بالتشوش أمام ظروف المقتول، رغم أنها ليست شديدة السوء، حيث لا يبدو ما دفعه هنا ليكون ذلك الشخص المجرم شيئاً كبيراً، ولا عنوان فارق كالفقر والجهل، ولكن لحظة تحول بسيطة لكنها فعلت فعلها في نفسية الطفل، وحسمت اختياراته وقدمتها الروائية برهافة.

على الحافة

هذه الرواية التي نشرت في عام 2016 هي الكتاب السابع في مسيرة «نتاشا أباناه» واستوحتها من تجربة إقامتها في جزيرة «مايوت» حيث اكتشفت شباباً يعيشون على الحافة، وقدمت صورة واقعية، تنذر بتردي الأوضاع هناك، وقد ولدت نتاشا في 24 مايو 973 في إحدى جزر موريشيوس، وانتقلت إلى فرنسا عام 1998 وعاشت في ليون حيث أنهت تدريبها في مجال الصحافة، ونشرت روايتها الأولى «صخور مسحوق الذهب» تناولت من خلالها قضية العمال الهنود إبان الاستعمار البريطاني، وحصلت الرواية على العديد من الجوائز وترجمت إلى أكثر من 15 لغة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"