عادي

تعرف إلى صاحبات الهمم الملهمات

11:51 صباحا
قراءة 6 دقائق
لونغ تحتفل بميدالية طوكيو
لونغ تحتفل بميدالية طوكيو

إعداد: معن خليل
أصبحت الأمريكية جيسيكا لونغ ملهمة الأجيال في ألعاب صاحبات الهمم، بعدما تألقت في منافسات السباحة في بارالمبية طوكيو 2020 التي تحتضنها حالياً العاصمة اليابانية.
وحوت ألعاب البارالمبية دائماً في منافسات السيدات العديد من القصص الجميلة عن حكايات التحدي والإرادة وقهر المستحيل وحب الحياة، بعدما تحولت بطلاتها لوسيلة جذب من خلال الأعمال التي قمن بها وتجاوزن عبرها حالة اليأس إلى أخرى تنال الإعجاب.
ونالت لونغ 27 ميدالية في 5 دورات بارالمبية، وحققت 5 ميداليات في طوكيو بينها ثلاث ذهبيات، لتؤكد أنها تستحق الهالة الإعلامية التي تحيط بها في بلادها أمريكا، ويكفي أن أسطورة السباحة فيليبس دائم الاتصال بها للاطمئنان على استعداداتها وتقديم النصائح لها.
ولدت جيسيكا لونغ عام 1992 في مدينة بالتيمور الأمريكية، وهي من أبرز السباحات في رياضة صاحبات الهمم وحصلت على ميداليات في خمس ألعاب بارالمبية شاركت فيها وحملت الكثير من الأرقام القياسية.
وإضافة إلى تألقها في ميدان السباحة كانت جيسيكا لونغ الوجه الجميل دائماً للحملات الإعلامية الخاصة بصاحبات الهمم، كما نالت نصيباً بعد إحدى الألعاب من ثناء السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة ميشال أوباما عندما ترأست الوفد الرئاسي الأمريكي إلى دورة الألعاب الأولمبية 2012 في لندن.
وأشارت أوباما إلى السباحة جيسيكا لونغ التي تجسد قصتها الانضباط والتصميم اللذين يكمنان وراء المنافسة الرياضية على مستوى العالم، وقالت معرفة بها أكثر «عندما كانت جيسيكا طفلة، كانت تشاهد الأطفال الآخرين يصعدون ويهبطون تلاً في متنزه عام بالحي الذي تسكن فيه، فأمضت يوماً كاملاً في ممارسة ذلك على ساقيها الاصطناعيتين، وكانت تقع على الأرض مراراً وتكراراً حتى تمكنت أيضاً من أن تتسلق هذا التل، ونصيحتها للآخرين حول كيفية تحقيق النجاح بسيطة جداً فهي تقول: عليك بالممارسة، وستمر أيام وأنت تبغض ذلك، وأيام وأنت تحب ذلك، ولكن عليك المواظبة».
وبترت ساقا جيسيكا لونغ عندما كانت في الشهر 18 من عمرها، وتعلمت المشي بأطراف اصطناعية منذ صغرها، وقد مارست الرياضة ومنها التزلج على الجليد وركوب الدراجات والترامبولين وتسلق الجبال ومن ثم تفرغت إلى السباحة في عام 2002 وشاركت في دورة الألعاب البارالمبية 2004 في أثينا، وحازت ثلاث ميداليات ذهبية وكانت أصغر رياضية من صاحبات الهمم تشارك في الفريق الأمريكي.
وحققت طوال مسيرتها أكثر من 20 رقماً قياسياً، وفي بارالمبية 2008 في بكين نالت ست ميداليات منها أربع ذهبيات وكسرت رقماً مهماً في السباحة 100 متر حرة بزمن 0،19 ثانية وهو الأفضل لدى الرجال والسيدات على السواء.
واختارت شركة رالف لورين المزود الرسمي لملابس الفرق الرياضية الأمريكية للألعاب الأولمبية وأولمبياد أصحاب الهمم جيسيكا لونغ سفيرة للعلامة التجارية لها في الفترة التي تسبق الألعاب الأولمبية وخلالها، وذلك عن فئة السباحة لأصحاب الهمم.

لونغ تعرض ميدالياتها في أولمبياد بكين 2008
لونغ تعرض ميدالياتها في أولمبياد بكين 2008

عالم الجمال
وعلى خطى جيسيكا لونغ فإن بعض اللاعبات من صاحبات الهمم لم يبرعن فقط في مجال المنافسة إن كان في ميدان ألعاب القوى أو حوض السباحة، بل في مجال آخر هو الأزياء وعالم الجمال حيث تشكل الإيطالية جوسيبانا فيرساتشي التي تعرف باسم (جوسي) والأمريكية إيمي مولينز مثالاً حياً عن السيدات اللاتي قهرن بالإرادة كل الحواجز.
وتنتمي جوسي فيرساتشي إلى العائلة الإيطالية الشهيرة في عالم الأزياء، والمثير أن صاحبة الوجه الجميل لم تأخذ شهرتها بسبب ذلك، بل لكونها تحدت الإعاقة وأصبحت من أبرز العداءات في المسافات القصيرة في ألعاب القوى لصاحبات الهمم وحصدت لقب أوروبا في سباقي 100 و200 متر في فئة (T44).
لم تمنع الإعاقة جوسي التي تعرضت لها عندما كانت في سن الثامنة والعشرين من عمرها من استكمال مشوارها في عالم الأزياء الذي أتقنته منذ صغرها، ولاسيما أن المصمم العالمي الشهير جياني فيرساتشي هو ابن عم والدها ألفريدو، كما برعت في ميدان آخر هو الرياضة، وتحديداً ألعاب القوى التي مارستها للمفارقة بعدما تعرضت لحادث سير مروع أدى إلى بتر ساقيها.
وتروي جوسي في «قصص تتحدى المستحيل» أن يوم 22 أغسطس /آب 2005 حين تعرضت للحادث هو التاريخ الذي قسم حياتها إلى جزأين ما قبل الحادث ومابعده، وتعتبر أن أهم ميدالية فازت بها في حياتها كانت في اليوم الذي نظرت به إلى المرآة ورأت أنها مازالت قادرة على الابتسام والإقبال على الحياة حتى بعد أن أصبحت ضمن فئة صاحبات الهمم من مبتوري الساقين.
النصر يومياً
وتقول جوسي «عندما بترت ساقيّ لم أكن أتصور أن بإمكاني الجري، لكن بالإرادة والتصميم يمكنك تحقيق كل شيء. ولا أخفي سراً إذا قلت إنني أكون سعيدة جداً خلال الركض على مضمار السباقات، وأنسى في تلك اللحظات أنني مبتورة الساقين، وأنا أركض أشعر أيضاً كم الحياة جميلة، أنا أحقق الانتصار يومياً، وأدعو الجميع لكي يستمتع بحياته بصرف النظر عن الصعوبات التي قد تواجهه».
وتابعت «أتذكر أنه كانت هناك مشاعر مختلطة في لحظات حاسمة في حياتي فقد بكيت من الألم بشدة عندما فقدت قدمي وبكيت من الفرح بشدة عندما جريت لأول مرة، وعندما أجري وأتنافس لا أشعر أنني شخص معاق، والرياضة جعلتني أشعر بارتياح كبير وبالقدرة على الإنجاز».
وانضمت جوسي إلى ألعاب القوى بالصدفة علماً أنها لا تحب الرياضة أصلاً قبل إعاقتها، وهي انتظرت حتى عام 2010 لكي تدخل ميدانها وذلك بعدما أقنعها بذلك صديق لها، ومع بعض الإرادة وتحدي الصعاب أصبحت الرياضة ليس مجرد هواية عندها بل احترفتها وأصبحت تنافس وتمثل إيطاليا في بطولات محلية وقارية، واستطاعت عام 2012 أن تصبح صاحبة الرقم القياسي الأوروبي في سباق 100 متر.
ولم تكتف جوسي بذلك بل أصبحت أول لاعبة إيطالية في التاريخ تنافس في ألعاب القوى بشفرتين مصنوعتين من ألياف الكربون.
وتعد جوسي من الناشطات في المجال الاجتماعي من خلال جمعيتها «الإعاقة ليست قيداً»،، وحققت نصراً على الإعاقة أيضاً من خلال فوزها بالنسخة الإيطالية من «الرقص مع النجوم» لعام 2014، مع ما يتطلب ذلك من إيقاع وجهد ولياقة بدنية عالية وقد نالت 56% من أصوات الجمهور، لتصبح أول فائز من صاحبات الهمم في تاريخ جميع الدورات الدولية لهذه المسابقة الكبيرة. 
 كما قدمت جوسي فيرساتشي برنامجاً اجتماعياً «على قيد الحياة» وآخر رياضياً مع الصحفي المعروف اليساندرو أنتينللي، كما كتبت عام 2013 سيرتها الذاتية «رأسي والقلب أينما ذهبت»، أكدت خلالها أنها في قطيعة مع الماضي وشعارها دائماً «إلى الأمام».
وكشفت جوسي في كتابها أنه عندما فقدت ساقيها أحست أنها فقدت أنوثتها حيث كانت دائماً تحب ارتداء الكعب العالي، وفجأة بعد الحادث اضطرت إلى مواجهة عدو جديد لكنها تعايشت مع مرور الوقت معه، وتعلمت أن تقدر وتثمن ما بقي من أعضاء جسدها وألا تضع كلمة استسلام في قاموسها.

جوسي نجمة ألعاب القوى للمعاقين
جوسي نجمة ألعاب القوى للمعاقين

عداءة وممثلة
وبالنسبة لإيمي مولينز وتعد الأكثر شهرة، حيث إنها عداءة احتياجات خاصة وممثلة وعارضة أزياء أمريكية معروفة ولدت عام 1976 في مدينة ألينتاون، ورغم بتر قدميها إلا أنها مارست رياضة القفز الطويل والجري السريع ومثلت الولايات المتحدة في ألعاب البارالمبية الصيفية 1996 في مدينة أتالانتا.
وشاركت إيمي مولينز في الكثير من عروض الأزياء ومنها للمصمم البريطاني ألكسندر مككوين، وكذلك في عروض بلندن وباريس، ومثلت في فيلم «ماثيو بيري» في عام 2002 وعدة أفلام أخرى في السينما والتلفزيون.
ولدت إيمي دون عظام شظية عظم الساق مما اضطر الأطباء إلى بتر ساقيها من أسفل الركبة وذلك عندما أكملت عامها الأول، إلا أن إعاقتها لم تثنها عن الاشتراك في فريق الكلية في مسابقات الجري والتنافس ضد بقية الطلاب.
أرقام وألقاب
وعلى الصعيد الاحترافي حققت العديد من الأرقام العالمية في سباقات السرعة والوثب الطويل، كما تم اختيارها لتكون رئيسة مؤسسة الرياضات النسائية وقد صوت لها العديد من الرياضيين وخصوصاً من السيدات أمثال السائقة الأمريكية في عالم سباقات السرعة باتريك دانيكا ولاعبة التنس الروسية ماريا شارابوفا.
كما برزت إيمي في مجالات أخرى، وتم اختيارها سابقاً واحدة من بين 50 شخصاً الأكثر جمالاً في العالم، ولم تغفل كذلك عن التحصيل العلمي وتخرجت من جامعة جورج تاون في عام 1998 بشهادة مزدوجة في التاريخ والدبلوماسية.
وأثبتت إيمي مولينز في كل النجاحات التي حققتها على الصعيد الرياضي وغيرها من مجالات الحياة أن الضعف يمكن تحويله إلى قوة وأن الإنسان يمكنه جعل الإعاقة تميزاً. 
وتروي ايمي قصة حدثت معها أثناء إحدى مسابقات الجري التي شاركت فيها حيث تقول: «كنت أركض بأرجلي الجديدة في سباق الـ100 متر ولم أكن أدري مدى تحمل هذه الأرجل للجري والتعرق الشديد وما أن وصلت إلى مسافة 85 م انخلعت أرجلي الصناعية أمام 5 آلاف متفرج مما أصابني بالحياء الشديد وقلت لمدربي حينها إنني لا أريد أن أجري في سباق الـ200 متر الذي كان سيبدأ خلال ساعة واحدة ولكنه قال لي وماذا لو انخلعت قدماك؟ التقطيها وضعيها مجدداً وأنهي ذلك السباق».
وتؤكد إيمي أن تلك الواقعة علقت في ذهنها طويلاً، حيث إن هناك من يؤمن بعدم الرضوخ للمستحيل، وهي تقول فلسفة حياتي أنه لا يكون النجاح دوماً في الوصول إلى الهدف إنما أحياناً في طريقنا إليه».

إيمي مولينز خلال مشاركتها في بارالمبية أتلانتا عام 1996
إيمي مولينز خلال مشاركتها في بارالمبية أتلانتا عام 1996
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"