فَلْيعلمكَ كتابي هنا أن تعنىبنفسك أكثر مما تعنى به -ثم- بكل ما تبقى أكثر مِنْ نفسك(اندريه جيد) يتقدم اندريه جيد بهذه الكلمات، إلى قارئ كتابه الشهير قوت الأرض، في مقدمة الطبعة التي صدرت من هذا الكتاب الراقي سنة ،1927 وهو كتب المقدمة في يوليو/ تموز سنة 1926.اصطحب معي قوت الأرض ورديفه القوت الجديد، عندما ابتعد عن مكتبتي زمناً ومكاناً. وهو معي منذ عشرة أيام، وأخاف عليه من الضياع، كما خوفي على بقية أيامي أن تذهب سدى.ليس هذا محور موضوع هذا اليوم، وسيأتيك بالنبأ سطرٌ هنا، وجملةٌ هناك، فتريث قليلاً، ودعني أستكمل فكرة سمعتها في أحد أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل أيام، أطلقها أحد الكتاب بصوت يقطر ألماً. قال الكاتب: ماذا أفعل؟ بعت من كتابي هذا نحو مائة نسخة.وقدم كتابه إلي مُعْتزاً وهو يقول: هذه هي هديتي إليك، أيها الصديق.قلت له: إنك محظوظ في مثل ظروفنا الراهنة. ولم يستمع الكاتب المتألم إلى كلماتي جيداً، فذهب يجري إلى ناديه، وذهبت أحاور ذاكرتي، واستقصي بعض حالات تلمّ بكتابنا العربي، وكتّابنا العرب.عندما ظهر الكتاب الأول لأرنست همنجواي، وفيه قصته الشهيرة: مكان حسن الإضاءة بيع منه نحو ثلاثمائة نسخة في أمريكا كلها.وبعد ذلك، بعد ذلك بسنوات، وبعد العديد من الكتب، جاء العجوز والبحر، واستحق همنجواي جائزة نوبل للآداب، من بين قامات روائية يشار إليها بأصابع اليدين كلها، وليس بالبنان فقط.حدث هذا من دون أن يقصد بابا همنجواي الحصول على هذه الجائزة القيمة، بل لأنه احترم عمله، وانسجم مع نفسه، فأخلص في كتابته، وتحمل المخاطر، وتجاوز ترهات الذين لا يعرفون قيمة الكاتب الحقيقي، وانغمر في مشروعه الحقيقي.أما كتاب اندريه جيد قوت الأرض فقد بيع منه في عشر سنوات، 300 نسخة فقط.اذهب إلى جيْد، زحفاً على المرافق، إن لم تكُنْ قادراً على استخدام ساقيك، واقرأ، ثم اقرأ. وَدَعْ غيرك من الذين لا يعرفون قيمة الكلمة في جهلهم يعمهون. [email protected]
