أين تجارنا وشركاتنا؟

04:23 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

في مثل هذه الأيام الفارقة في التاريخ، يظهر المعدن الحقيقي للإنسان الأصيل، يظهر معنى الوطنية بحذافيره، يظهر نُكران الذات وتغليب المصلحة العليا على المصلحة الذاتية والشخصية، يظهر تجار المصالح على حقائقهم، يظهر من يستغل ومن يتفاعل.
في الجائحة التي أصابت العالم بسبب فيروس «كورونا»، وعطلت المصالح والتجارة والاقتصاد، أفرزت هذه الأزمة عيّنات من البشر؛ إذ سارع بعض التجار وبشكل مباشر ومن غير دعوة، للتبرع بطريقة أو بأخرى بالمال وبالمواد العينية والعقارات، لدعم الجهود الوطنية لمكافحة هذا المرض، حتى الأطفال تبرعوا بمصروفهم.
ولكن في الوقت نفسه كانت هناك نماذج مخزية محزنة لشركات التزمت الصمت المطبق من دون أي ردة فعل، بالرغم من إعلاناتها الدائمة عن أرباحها السنوية المليارية، وكأن الأمر لا يعنيها، بل سارعت إلى تسريح عدد كبير من موظفيها المواطنين وغير المواطنين، دون أي شعور بالمسؤولية الاجتماعية، متعللة ب«كورونا» والوضع الاقتصادي، ولم تخرج من أرصدتها المالية أي فلس تتبرع به، لما يدعم الجهود الوطنية الكبيرة لمكافحة الوباء.
الوطن قدم لتلك الشركات الكثير، لكنها لم تقدم حتى الآن الشيء الذي يذكر مقابل ما حصلت عليه. حكومتنا الرشيدة ولله الحمد لم تقصر ولن تقصر أبداً، فهذا ديدنها دائماً، لكن في مثل هذه الظروف يظهر المعدن الأصيل والانتماء الوطني، وغلبة المصلحة الوطنية على ما تشتهي الأنفس الصغيرة. هنالك من يغمر السوق ب 400 ألف كمامة مغشوشة، مستغلاً حاجة الناس، وآخر يضخ في الأسواق منتجات غير صالحة من المطهرات، وثالث يرفع سعر علبة الكمامات من 18 درهماً، إلى ما يزيد على 140 درهماً، ورابع يزيد أسعار المنتجات الغذائية من دون مراعاة، مستغلاً الوضع الاقتصادي القائم.
وهناك من جانب آخر رجال يعرفون أنّ للوطن عليهم حقاً وواجباً، فهذا يتبرع ب 50 سيارة إسعاف، وذاك بمرافق فندقية ومبانٍ كاملة بشققها، لتكون في يد الحكومة تتصرف بها مراكز لإقامة المصابين وعلاجهم، ورئيس مجلس إدارة أحد البنوك الوطنية الذي يعرف الواجب والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه يأمر بعدم تسريح أي موظف، ويوجه رسالة تطمين إلى الموظفين.
لا أدّعي أن تجارنا لم يتبرعوا، لكن ما قُدم ضئيل، بل ضئيل جداً بمقياس ما قدمه لهم الوطن الذي صنع أسماءهم. فأين مثلاً شركاتنا؟ وماذا قدمت حتى الآن؟، وكلنا نعرف كم قدمت لها الحكومة من دعم وتسهيلات!، لماذا تقف موقف المتفرج، بل موقف الذي يصبّ الزيت على النار ويعمّق الأزمة اقتصادياً واجتماعياً، فيسرّح الموظفين في موقف مثل هذا الموقف العصيب؟!.
بيل جيتس، مؤسس «مايكروسوفت»، وحده تبرع ب 100 مليون دولار؛ للمساعدة في اكتشاف الفيروس، وتوفير الحجر الصحي والأبحاث التي تعمل على إيجاد لقاح للوقاية منه. جاك، مؤسس موقع «علي بابا» تبرع بنصف مليون اختبار للإصابة ب«كورونا» ومليون كمامة، و6 ملايين دولار للمعامل لإيجاد لقاح. أوبرا وينفري، مقدمة البرامج التلفزيونية الأمريكية تبرعت ب 10 ملايين دولار لتخفيف آثار فيروس «كورونا»، ويشمل ذلك مشروعاً جديداً يساعد على تقديم الطعام للأمريكيين المعرضين للخطر أثناء تفشي الفيروس. هذه مجرد نماذج ثلاثة، أذكرها للمقارنة فقط، وغيرها كثير.
تجارنا الكبار، شركاتنا الكبرى: ماذا قدمتم حتى الآن؟
أنتم هنا في المحك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"