السياسة الخارجية المصرية .. عربياً ودولياً

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. مصطفى الفقي

لا أظن أن هناك من يختلف معي كثيراً في أن السياسة الخارجية المصرية تتمتع بدرجة عالية من المصداقية والتوازن، قد يصل بها إلى حد الحكمة والارتفاع عن روح المغامرة غير المحسوبة والاقتراب من الحصافة المطلوبة، فمصر وقفت دائمًا مع الشعوب ولم تنزلق إلى مواقف عابرة، ولم تتحمس لسياسات طارئة، فهي مع الشعب في سوريا واليمن وليبيا، والمحاربة الأولى ضد الإرهاب، والدولة التي تنهج أسلوباً شريفاً في التعامل مع أشقائها في السودان، كما كان هو الأمر في العراق وكما قد يكون في مناطق أخرى مثلما يحدث مع الشعب الباسل في الجزائر. فمصر تؤمن بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ولكنها تقف في الوقت ذاته نصيرة لأشقائها من شعوب المنطقة، دون أن تأخذ موقفاً مع أحد الأطراف ضد غيره، لأن مصر أكبر من ذلك بكثير فهي بحق (عمود الخيمة) في غربي آسيا وشمالي إفريقيا والدولة الراعية للمبادئ الصحيحة والسليمة والمرعية للشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي في كل اتجاه، لقد كانت هذه مقدمة لازمة لكي أعبر فيها عن التوجهات الإيجابية للسياسة الخارجية المصرية، التي يوجه دفتها الرئيس عبد الفتاح السيسي ويقوم على تنفيذها وزير صقلته التجارب وأضافت إليه المواقع التي مر عليها فكانت السياسة الخارجية بحق تعبيراً عن شخصية مصر ودورها التاريخي الذي التزمت به وسارت عليه، ولعلي أطرح هنا بعض الملاحظات المتصلة بهذا الموضوع الحيوي الذي يعني كل المصريين، بل وربما كل العرب أيضاً من أشقائنا في رحلة التاريخ الطويل وواقع الجغرافيا الذي يفرض نفسه منذ عشرات القرون، وهنا نقول:
* أولاً: إن العلاقات المصرية الأمريكية تتمتع بدرجة عالية من الندية والإحساس المتبادل بأهميتها وضرورة الارتفاع بها عن الأحداث العابرة أو الملاحظات الطارئة، ولقد تمكن السيسي- باعتداله وتوازنه - من فتح جسر متصل من الحوار الهادئ مع الرئيس دونالد ترامب عبر القنوات الدبلوماسية حتى نجحت مصر إلى حد كبير في الاحتفاظ بسيادتها الوطنية واستقلال قرارها الذي ينبع من ضمير شعبها ونجحت في إيجاد إطار مقبول للطرفين، يمكن أن يضم اختلافات بين السياستين المصرية والأمريكية، في إطار من الاحترام المتبادل وإعمال مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية قدر الإمكان. وأنا أزعم هنا كمتابع للعلاقات المصرية الأمريكية منذ عدة عقود، أن مصر تملك حالياً درجة عالية من الندية وحرية الاختيار والتفرد بقرارها السيادي دون الاستجابة لضغوط أو إملاءات، وفي الوقت نفسه دون أن تفتح جبهات غير مبررة لصراعات غير محسوبة.
* ثانياً: إن سياسة مصر الإفريقية قد أعادت - ذلك البلد الكبير العريق الذي يقبع في الزاوية الشمالية الشرقية للقارة الأم التي ينتمي لها ويرتبط بها جسور التواصل القوي وقنوات الارتباط الوثيقة بدول القارة ولم تأخذ بنظرة مصلحية تقف عند حدود دول حوض النيل؛ بل امتد اهتمامها ليشمل كل الأشقاء في القارة، وعندما آلت إليها رئاسة الاتحاد الإفريقي في دورته الحالية فإن مصر تحاول توظيف دورها التنموي، خصوصاً في جانب الرعاية الصحية لتقتلع جذور الأمراض التي يعاني منها الأشقاء الأفارقة
* ثالثاً: لقد وقفت مصر مع الشعوب ولم تخضع لضغوط حكومات، وأنا أظن أنها قد اتخذت أكثر المواقف شرفاً تجاه الدولة العربية الأبيّة سوريا الشقيقة، باعتبارها معقل المد القومي والتوجه العروبي؛ حيث راهنت مصر على الشعب السوري واستغرقت بشدة في الدفاع عنه ومحاولة رفع المعاناة التي أحاطت به من كل جانب حتى إن الدبلوماسية المصرية وافقت على قرارين مختلفين في يوم واحد داخل مجلس الأمن لسبب بسيط، وهو أن عاملاً مشتركاً كان يجمع بينهما ويدور حول أسلوب رفع المعاناة عن الشعب السوري.
* رابعاً: لم تتورط مصر كثيراً في الخلافات العربية - العربية، التي فرضت عليها ولم تتحول إلى منبر دعائي ضد بعضها إلاّ بالقدر الذي تستلزمه المواجهة مع من يتدخلون في شؤونها ويقومون بإيواء الإرهابيين وتمويلهم وضمان الملاذ الآمن لهم رغم كل ما فعلوه وما يفعلونه ضد الشعب المصري الصامد والشعوب الشقيقة التي ابتلاها الله بصراعات دامية.
* خامساً: لقد نظر السيسي ومعه الجهاز الدبلوماسي المصري العريق صوب الشرق، وحطّ رحاله في العاصمة الصينية بكين وتجاوز ذلك إلى التجربتين اليابانية والهندية، مؤمناً بأن التقدم ليس بالضرورة أحادي المصدر وأنه لا يأتي من الغرب وحده، بل إن التجارب الشرقية الكبرى خصوصاً في القارة الآسيوية، يمكن أن تكون مصدر إلهام للتحول المصري الضخم نحو الدولة العصرية الحديثة، كما نجحت الدبلوماسية المصرية في الاحتفاظ بعلاقات ممتازة مع روسيا الاتحادية، ومضت في ذلك إلى حد التعاون المشترك في مشروعات كبرى ترتبط بالكبرياء الوطني المصري والكرامة المستمدة من دخول العصر النووي ولو بعد حين، ولعلي أضيف هنا أن علاقات مصر بدول أوروبا الغربية، خصوصًا فرنسا وألمانيا ومعهما حاليًا إيطاليا أيضًا، هي علاقات متميزة برغم كل الشوائب التي اعترتها ووقفت في طريقها.
تحية للسلك الدبلوماسي المصري والأجهزة السيادية التي تعاونه وتدعمه وتقف معه في خندق واحد، من أجل وطن نعتز به ونفاخر بالانتماء إليه ونمضي وراء مصالحه عبر المحيطات ووراء البحار وفي أعماق الصحاري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"