العامل المتبقي

21:13 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي*

انتهت الحرب العالمية الثانية بطريقة مفاجئة عام 1945، وتنامت لدى كثير من الاقتصاديين حالة من الخوف من أن يؤدي السلام إلى عودة كساد فترة الثلاثينات مرة أخرى. وعلى الرغم من كل شيء، فإن أوروبا واليابان كانتا حطاماً بعد الحرب. وكانت كل حرب أمريكية بعد الثورة قد أعقبها حدوث حالة من الانهيار العام في الأعمال. وتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي حدوث كساد.

ولكن على العكس، فقد حدثت حالة غير مسبوقة من الانتعاش الاقتصادي في سنوات ما بعد الحرب، حيث كانت هناك كنوز من أصول سائبة تراكمت لدى القطاع العائلي نتيجة لفترة التقشف، وأسهمت في ازدهار غير مسبوق. حصلت السياسات الكينزية على المصداقية، أما حالات الذعر التي حدثت في القرن الماضي فقد أصبحت مجرد «حالات كساد» وقعت في أوقات محدودة، وبنسب متواضعة وعواقب خفيفة. 

وأدت المثبتات التلقائية (إيقاف الضرائب وبرامج الضمان الاجتماعي) إلى تقليل التأرجح وانتعشت التجارة وارتفع الدخل، وأعلن تركيب نيو كلاسيكي، وهو شكل من المعرفة يمكن أن يوافق عليه 95% من جميع الاقتصاديين. واستقرت شيكاجو وكامبريدج لفترة ممتدة من الزمن من أجل حل بعض المشكلات، والتزام مشترك بالمنظور الهندسي. وعلى الجانب الآخر اتفاق مهذب على عدم الاتفاق. 

ارتفعت أسهم الاقتصاديين بشكل ثابت في بورصة الرأي العام، وخصوصاً بعد انتخاب جون كنيدي رئيساً عام 1960، ودعوته لقادة الاقتصاد الحديث في واشنطن: سامويلسون، وسولو، وجيمس توبين، وارو. ومن المؤكد أن الحرب الباردة كانت علامة مميزة للمشهد آنذاك. 

كان هناك إطلاق قمر صناعي روسي «سبوتنيك» وتبعه سباق للوصول إلى القمر. وكانت حالة التنافس بين الديمقراطيات الصناعية والديكتاتوريات ذات التخطيط المركزي في روسيا والصين، سبباً في زيادة قيمة الخدمات الاقتصادية. وظهرت صورة جون ماينارد كينز على غلاف مجلة «التايمز» عام 1965، بعد وفاته بتسعة عشر عاماً، وصورته على أنه المهندس المعماري لحالة انتعاش ما بعد الحرب.

ومع ذلك بقي هناك لغز مهم في أوائل الخمسينات، وهو تفسير حالة الانتعاش نفسها. أصبحت الشركات أكبر حجماً، وكان يبدو أن المنافسة أصبحت أقل احتداماً. كما كان الاقتصاد يمر بحالة من النمو الذي لم يحدث من قبل. ربما يكون كينز قد نجح في حل مشكلة تناقص الاستهلاك عن طريق إقحامه للحكومة، ولكن كيف يمكن ترجمة تناقص الادخار إلى حالة من النمو الاقتصادي؟ ماذا حدث للمنطق الحتمي المفترض لتناقص العوائد الذي لا يمكن تجاهله؟

مرة أخرى، أصبح من الضروري أن يقوم أحد الاقتصاديين بحل مشكلة التناقض بين اليد الخفية ومصنع الدبابيس، الأمر الذي يفترض عدم إمكان تجنبه مع الأمر الذي لا يمكن إغفاله (نموذج كينزي) وسيظهر مفهوم آخر جديد سرعان ما عرف بالعامل المتبقي.

كان الابتكار الأساسي للاقتصادي (سولو) هو صنع نموذج للإنتاج اعتمد على البدائل، فقبله لم تكن هناك أي إمكانية لاستبدال العمل برأس المال في الإنتاج. كانت النسب ثابتة، وكان النمو المستمر يتحقق فقط تحت ظروف بعينها محددة وصارمة. استبدل «سولو» النسبة الثابتة برأس المال/الإنتاج التي وردت في نماذج هارود ودومار بتصور جديد نسبياً لدالة الإنتاج المتغير، والتي كانت ذات شقين من المزايا، سمحت الاتفاقية للمنتجين بأن ينتقلوا للأمام والخلف، مستخدمين رأس المال عندما يرتفع سعر العمل والعكس. ونتيجة لذلك، لم يعد النموذج يقدم مشكلة حد السكين. 

أدت الآلية الحديثة إلى استيعاب مصطلح تم تحديده خارج النموذج (معامل ثابت أو مفترض) الذي وصف معدل التغير التقني.

ولأغراض خاصة بنموذجه حافظ سولو، على افتراض أنه بالمنافسة الكاملة سيحصل رأس المال والعمل على إنتاجهما الحدي، وإذا ما تم تغيير ذلك من قبل أي من الطرفين فسيحدث تناقص في العوائد. وأي جزء من أجزاء نمو الإنتاج الحقيقي لا يمكن إرجاعه إلى أي من رأس المال أو العمل سيرفق بمعلمة «التغيير التقني» في النموذج، ولم تعن معادلته الجديدة أي شيء غير أن نمو الناتج/الدخل، هو عبارة عن دالة في تراكم العمل ورأس المال مضروباً في قيمة ثابتة تمثل معدل نمو المعرفة. 

وتم التعامل مع تزايد العوائد على أنه احتمال وارد. وكان أكثر تداعيات نموذج «سولو» هو أن معدل الادخار لم يكن له أثر في الواقع في معدل النمو. فقد كان نموذجا هارود ودومار يفترضان أنه يجب على الدول الفقيرة أن تضاعف معدلات ادخارها إذا كانت ترغب في تحقيق تسارع في معدل النمو. ويمكن تحقيق ذلك سريعاً عن طريق زيادة الضرائب، في حين اقترح نموذج سولو أن أثر هذا النوع من تعميق رأس المال على معدل النمو سيكون أثراً مؤقتاً، على الرغم من أنه سيكون له أثر دائم على مستوى الإنتاج في المستقبل.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"