أي برنامج تتذكر؟

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

كثيرة المسلسلات التي نشاهدها، وقد أتت في وقت لم يعد فيه للبرامج التلفزيونية أي طعم أو لون، متكدسة وكأنها منسية من وقت، تجتر حكاياتها، ويقف مذيعوها في نفس المكان لا يتقدمون ولو خطوة صغيرة نحو الأفضل، ونحو التجديد وابتكار الأفكار والأسلوب ولغة تخاطبهم مع ضيوفهم ومع الجمهور. والمذيع الذي لا يطور من نفسه، ومن أدواته، يعود إلى الوراء، ويعجز عن مواكبة عصره، خصوصاً في القفزات العالية التي تحققها التكنولوجيا اليوم آخذة معها أجيالاً متتالية من الشباب.
المفروض أن يتمسك الإعلامي اليوم بكل أسلحته، ليتمكن من المحافظة على مكانة الإعلام ودوره في زمن صار فيه كل الجمهور مذيعاً ومقدم برامج ومقدم نشرة إخبارية أو اقتصادية أو جوية، ومونولوجست وممثلاً وكوميدياناً ومخرجاً ومؤلفاً وتقنياً فنياً. بفضل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وصفحات البحث و«يوتيوب»، تداخلت الأمور وصار القليل؛ بل القشور من هذه التخصصات يكفي كي يقوم أي هاوٍ بتصوير فقرات وصناعة فيديو وبثها على صفحته، فينال من الشهرة ما يرضيه.
في زمن الأبيض والأسود، كان للبرامج حصتها الأكبر على الشاشة، بينما للمسلسلات أوقات قليلة وظهور لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وعلى الرغم من ذلك كان كل ما يعرض على الشاشة «دسماً» يغذي العقل والروح، سواء كان الهدف منه مجرد تسلية الناس أو تثقيفهم وتوعيتهم وتهذيب الذوق ومنحهم جرعات من الفن وجرعات من العلم وجرعات من الوعي الديني.
المسلسلات صارت الجرعة التي تشبع الجمهور ولا تغنيه عن برنامج يليق بمضمون ومفهوم البرامج التلفزيونية التي تهدف إلى زيادة الوعي دون حض وتحريض وزرع فتن، ولا تقليل من قيمة الأحداث أو تضخيمها بحسب الأهواء والمصالح.
المسلسلات وحدها لا تكفي، فلهذه دورها، وللبرامج دورها أيضاً وهو مختلف تماماً، لكن هل هناك من يتذكر ما هو دور البرنامج والهدف منه حتى لو كان ترفيهياً؟ الغريب أن البرامج الحوارية وبرامج «التوك شو» صارت غريبة عن ذاتها وعن طبيعتها وشروطها، «كله زي بعضه» لم نعد نفهم ما الفرق بين هذا وذاك من البرامج التي تستضيف ممثلين وفنانين غير شكل المذيعة (أو المذيع) واسم القناة؟ وما الفرق بين برنامج «توك شو» وآخر، علماً أنها كلها لم تعد تستوفي من شروط ومفهوم «التوك شو» إلا الشكل؟ أي برنامج تفضل وأي برنامج يشبعك فتنتظره وتحفظ موعده وتتمنى لو أنه يطول أكثر؟ 
ربما تجد واحداً أو اثنين، بينما في ذاكرتك مخزون من البرامج القديمة الآتية من زمن أجمل، حفظت كل تفصيلة فيها حتى مقدمتها الموسيقية ومن قدمها وماذا وكيف كان يقدم لك المعلومة من خلالها فتحفظها، وهيبته ووقاره ووقار ضيفه. حتى البرامج الإذاعية التي لم تلتقطها أو تخزنها ذاكرتك البصرية ما زلت تتذكرها وتحن إليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"