عادي

لبنان في غرفة الانتظار

23:24 مساء
قراءة 4 دقائق
محتجون يغلقون احد شوارع بيروت بالاطارات المشتعلة أمس (ا ف ب)

بيروت رامي كفوري:

على أبواب الاستحقاق الانتخابي المقبل تزدحم التطورات في لبنان وتتزاحم، سواء على المستوى الحكومي أو على المستوى الاقتصادي والمالي، أو المشهد السياسي بعد إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عزوفه وتيار «المستقبل» عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة.

على صعيد الحكومة، وبعدما فك الثنائي الشيعي أسر الحكومة وعاد مجلس الوزراء إلى الالتئام، بدأت ورشة الموازنة التي انقسمت حولها الآراء، وحول جدواها، وما إذا كانت تستند إلى رؤية اقتصادية - إنمائية، وتساعد على تحريك دورة الاقتصاد.

وقد واكب درس الموازنة إجراءات طغت عليها صفة المؤقت من خلال مساعدات مالية أقرتها الحكومة لموظفي القطاع العام، ورفع بدلات النقل لهم والعاملين في القطاع الخاص. وتلازم ذلك مع جهود حثيثة لتحسين التغذية الكهربائية بعد توقيع اتفاقات استجرار الطاقة مع كل من الأردن وسوريا خلال زيارة وزيري الطاقة فيهما إلى بيروت مؤخراً وإجرائهما محادثات مثمرة مع نظيرهما اللبناني وليد فياض.

كذلك كانت لافتة زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أنقرة على رأس وفد من ثمانية وزراء واجتماعه بالرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، وكان حصاد الزيارة إيجابياً على الورق ومن خلال التصريحات، وستكون هناك بعثات من تركيا لمعرفة ما يمكن توفيره وتحقيقه.

على أن اهتمام الحكومة منصب على إنجاز الموازنة العامة، ووضع الإطار التنفيذي للتعاون مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها لإطلاق عجلة الاقتصاد الوطني من دون أن تتسبب هذه الإجراءات بمزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وتوسيع دائرة الذين هم تحت خط الفقر.

في ظل هذه الأجواء توج رئيس الجمهورية ميشال عون، الحملة القضائية في وجه حاكم مصرف لبنان، رياض سلامه، باتهامات قاسية ومباشرة ركزت على مسؤوليته في تردي الوضع النقدي، وتهربه المتواصل من التعاون مع شركة التدقيق العالمية التي عينت للتدقيق في حسابات الحاكم ومصرف لبنان.

الانتخابات وعزوف الحريري

على أن أبرز ما سجله المشهد السياسي هو إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري باسمه وباسم تيار المستقبل عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية؛ إذ انطلقت التكهنات والتحليلات حول الخلفيات والأهداف، ومعها ارتفعت التساؤلات حول حال الإحباط التي ستعم الشارع السني، ما قد يترجم مقاطعة للانتخابات ستكون لها تداعيات في غاية الخطورة. وقد سارع الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيوره بالتعاون مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى تدارك الحال والتأكيد أن الطائفة السنية هي في صلب الحياة الوطنية ولا تعرف الإحباط، وكانت الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المفتي دريان لافتة في توقيتها ودلالاتها.

لكن شهية البعض فتحت بمجرد إعلان الحريري عزوفه، ولعل أكثر من كشف عن توجهاته في هذا المجال شقيقه بهاء الحريري الذي أعلن أنه سيأتي إلى لبنان للحفاظ على إرث والده رفيق الحريري وجمهوره، وذلك تحت شعارات تغييرية وثورية. وعلى الرغم من التحشيد الإعلامي و«البذخ» الإعلاني لحركة «سوا» التي حشر فيها عشرات من الطامحين الذين لم يجدوا لهم موطئ قدم في التيارات والأحزاب التقليدية، وتنظيمات «الثورة» في 17 أكتوبر/تشرين الأول، فإن النجل الأكبر للشهيد الحريري لم يُقابل بأي تعاطف أو ترحيب ملحوظ في الشارع السني أو في الشارع اللبناني، وأن ما يترسمل به فريق «سوا» هو القدرات المالية التي تنفق بسخاء على الإعلام وعلى الإعلان، وبعض المساعدات، وليس أكثر من ذلك، خصوصاً أن أحداً لم يلمس تأكيداً على أن بهاء يحظى بدعم واضح وعلني من جهات إقليمية أو دولية.

على أن محاولة حزب «القوات اللبنانية» الإفادة من غياب الحريري لخطب ود تيار المستقبل والشارع السني لاقت صدى عنيفاً من أصحاب العلاقة الذين اعتبروا أن رئيس حزب القوات، سمير جعجع، لم يقف مع الحريري، وكانت التعليقات العنيفة من قيادات «تيار المستقبل» على كلام جعجع غداة عزوف الحريري، المؤشر على سوء العلاقة، وعزم الأخير على عدم تمكين «القوات» من الاستثمار في غياب «المستقبل» وانكفائه.

الورقة الخليجية

.. وعلى صعيد المشهد السياسي أيضاً قال لبنان الرسمي أنه تعاطى بمرونة وانفتاح مع الورقة الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت لإصلاح الأمور في لبنان فهو ضمّن الرد الذي حمله وزير الخارجية اللبنانية عبدالله بو حبيب إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب، مؤخراً، الكثير من نقاط التلاقي مع ما طرحته الورقة، لكن نقاطاً وردت لا قدرة للبنان على البت فيها لأنها تتجاوز ويتداخل فيها الدولي بالإقليمي والمحلي مثل القرار 1559 الذي يطرح موضوعات ويطالب بأمور يعجز الخارج عن تحقيقها، فكيف بدولة تتآكلها الانقسامات والخلافات وينهشها الفساد.

لذلك طرح الجانب اللبناني تشكيل لجنة عربية - لبنانية لبحث هذه النقطة تحديداً، وسائر الموضوعات التي لها امتدادات تتخطى حدود لبنان مثل القرار 1701 الذي لم يطبق منه سوى وقف العمليات الحربية، فيما الانتهاكات اليومية للخط الأزرق مستمرة ومتواصلة، عدا الخروق التي تحصل على مدار الساعة جواً وبحراً.

دور الفاتيكان

أما زيارة رئيس الأساقفة بول غالاغر، مؤخراً، الذي يتولى علاقات الفاتيكان مع الدول، فكانت لافتة لجهة تأكيد حرص الكرسي الرسولي على الاهتمام بوضع لبنان والحفاظ على دوره الرسالي كوطن حاضن للرسالات السماوية المتفاعلة على أرضه، وبقدر ما سلط غالاغر الضوء على مسؤولية اللبنانيين في ما آلت إليه الأوضاع في بلادهم، ناصحاً بعدم مقاربة أي موضوع خلافي إذا لم يتأمن من حوله إجماع وطني وميثاقي، وحث القوى الخارجية والإقليمية للدفع باتجاه منع تفاقم أزمة لبنان، معتبراً أنه من غير المنصف تحميل هذا البلد الصغير ما لا طاقة على تحمله، وتكبيده إثماناً يعجز عن دفعها.

هل من نافذة أمل؟ يرد كثير من المراقبين أنه بانتظار جلاء نتائج محادثات فيينا، والاجتماعات البعيدة من الأضواء بين الأطراف الإقليمية المؤثرة، وتطورات الملف السوري في ضوء ما يحكى عن إمكان عودة دمشق إلى الجامعة العربية، فإن الوضع الحالي في لبنان يمثل طقس فبراير/شباط في تقلباته: هبات باردة وهبات ساخنة إلى أن يستقر المشهد الدولي والإقليمي على صورة غير عرضة للاهتزاز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"