الحرب وتأثيراتها في الاقتصاد العالمي (2-2)

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق

نورييل روبيني *

الصدمة التضخمية العميقة هي أيضاً سيناريو يشكل كابوساً للبنوك المركزية حيث تجعل هذه البنوك بغيضة في الحالتين، إذا قامت بردة فعل وأيضاً إذا لم تقم بها؛ فمن ناحية إذا كانت تهتم بشكل أساسي بالنمو فعليها تأخير رفع أسعار الفائدة أو تنفيذها بشكل أبطأ ولكن في بيئة اليوم - حيث يرتفع التضخم وتتخلف البنوك المركزية بالفعل عن المنحنى - قد تؤدي سياسة التشديد الأبطأ إلى تسريع فك توقعات التضخم مما يؤدي إلى تفاقم التضخم المصحوب بركود. من ناحية أخرى إذا واصلت البنوك المركزية التشدد (أو أصبحت أكثر تشدداً) فإن الركود الذي يلوح في الأفق سوف يصبح أكثر حدة لأن مكافحة التضخم ستتم من خلال سياسة رفع أكثر لمعدلات الفائدة الاسمية والحقيقية مما يؤدي إلى زيادة أكبر، وبالتالي إضعاف الاقتصاد الكلي؛ وقد رأينا هذا الأمر مرتين من قبل في وقت صدمات أسعار النفط في عامي 1973 و1979، ولكن إعادته الآن ستكون أسوأ.

على الرغم من أن البنوك المركزية يجب أن تواجه عودة التضخم بقوة إلا أنها ستحاول على الأرجح التلاعب بها كما فعلت في السبعينات وسوف تجادل بأن المشكلة مؤقتة وأن السياسة النقدية لا يمكن أن تؤثر أو تلغي صدمة العرض السلبية الخارجية ولكن عندما تحين لحظة الحقيقة من المحتمل أن يختاروا وتيرة أبطأ من التشديد النقدي لتجنب التسبب في ركود أكثر حدة. هذا بدوره سيفك المزيد من توقعات التضخم. في هذه الأثناء سيحاول السياسيون تخفيف صدمة العرض السلبية، وسوف تسعى الولايات المتحدة للتخفيف من الزيادة في أسعار البنزين عن طريق خفض احتياطاتها البترولية الاستراتيجية وحث المملكة العربية السعودية على رفع الطاقة الإنتاجية لإنتاج المزيد من النفط؛ لكنها جميعاً إجراءات لن يكون لها سوى تأثير محدود لأن المخاوف المنتشرة من ارتفاع الأسعار المتزايد ستؤدي إلى اكتناز عالمي لإمدادات الطاقة.

في ظل هذه المستجدات سيثقل كاهل الولايات المتحدة ضغط التوصل إلى تسوية مؤقتة مع إيران (مصدر محتمل آخر للنفط ) بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 غير أن إيران متحالفة بشكل قوي مع الصين وروسيا ويعلم قادتها أن أي صفقة يبرمونها اليوم قد يتم إلغاؤها في عام 2025 إذا وصل دونالد ترامب، أو أحد المتشبهين به، إلى السلطة في الولايات المتحدة وبالتالي من غير المرجح إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران؛ والأسوأ من ذلك أنه في حالة عدم وجود اتفاق ستستمر إيران في تطوير برنامجها النووي مما يزيد من احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على منشآتها، وهو ما قد يؤدي إلى صدمة عرض سلبية مزدوجة في الاقتصاد العالمي؛ والنتيجة هي أن القيود الجيوسياسية المختلفة ستحد بشدة من مقدرة الغرب على مواجهة الصدمة التضخمية المصحوبة بركود اقتصادي التي سببتها الحرب في أوكرانيا.

لا يمكن للقادة الغربيين الاعتماد على السياسة المالية لمواجهة الآثار المثبطة للنمو بسبب صدمة أوكرانيا لسبب واحد وهو أن الذخيرة المالية تنفذ الآن من الولايات المتحدة والعديد من دول الاقتصادات المتقدمة الأخرى بعد أن استنفذت جميع ما تستطيعه استجابةً لوباء كوفيد-19، فقد تراكم بشكل متزايد على الحكومات عجز غير مستدام وستصبح خدمة هذه الديون أكثر تكلفة في بيئة ترتفع فيها معدلات الفائدة. أضف إلى ذلك أن الحوافز المالية استجابة سياسية خاطئة لصدمة العرض المصحوبة بركود تضخمي؛ فعلى الرغم من أنها ربما تقلل من تأثير الصدمة السلبية في النمو إلا أنها ستزيد من الضغط التضخمي، وإذا اعتمد صانعو السياسة على كلٍ من السياسة النقدية والمالية في الاستجابة لها فإن عواقب الركود التضخمي ستصبح أكثر حدة بسبب التأثير المتزايد في توقعات التضخم. لم تكن سياسات التحفيز النقدي والمالي الهائلة التي بدأتها الحكومات بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 تضخمية لأن مصدر تلك الصدمة كان من جانب الطلب مدفوعاً بأزمة ائتمانية في وقت كان التضخم فيه منخفضاً وأقل من الهدف أما اليوم فالوضع مختلف تماماً فنحن نواجه صدمة عرض سلبية في عالم يرتفع فيه التضخم بالفعل ويتجاوز الهدف.

* خبير اقتصادي أمريكي (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"