خمسينية زيارة نيكسون التاريخية

21:34 مساء
قراءة 4 دقائق
2

شانج جين وي *

في الحادي والعشرين من فبراير/شباط 1972، أصبح ريتشارد نيكسون أول رئيس أمريكي يزور جمهورية الصين الشعبية، وأنهى بزيارته تلك عزلة استمرت عقوداً، وغرس بوادر ظهور اقتصاد حديث وديناميكي. ولكن على الرغم من التغيرات الاقتصادية المزلزلة في الصين منذ نصف قرن إلى الآن، يعتبر الكثيرون في الغرب جمهورية الشعب اليوم دولة شيوعية بحاجة إلى إصلاح وتؤذي ممارساتها التجارية غير العادلة العمال والمستهلكين الغربيين. في حين يرى آخرون هذا الانطباع جزئياً على أنه نتيجة ثانوية للصراع الجيوسياسي الحالي، ويعكس أيضاً الافتقار إلى المنظور التاريخي.

في وقت زيارة نيكسون، كانت الصين معزولة ومنغلقة عن العالم مثل كوريا الشمالية اليوم. ولم يكن لدى الصينيين العاديين حرية اختيار مكان العمل وكان عليهم قبول الوظائف التي تخصصها لهم حكومتهم المحلية. وعمل كل بالغ صيني تقريباً في قطاعات الدولة أو في شركات مملوكة للحكومة، لأنه لم يكن هناك في ذلك الوقت شركات محلية مملوكة للقطاع الخاص أو شركات أجنبية تعمل في البلاد، كما لم تكن هناك علامة تجارية أجنبية واحدة في شوارع بكين أو شنجهاي.

اليوم، يمكن للصينيين اختيار مكان عملهم، ويعمل أكثر من 80% من القوة العاملة في شركات غير حكومية، ويتم تحديد الأجور حسب العرض والطلب في سوق العمل. وأضحت الشوارع مملوءة بالسياح الأجانب، كما أن جميع العلامات التجارية العالمية الكبرى، التي يمكن رؤيتها في نيويورك ولندن وسنغافورة، باتت منتشرة في كل مكان في المدن الصينية الرئيسية أيضاً.

وتقوم العديد من الشركات الأجنبية المرموقة حالياً أمثال «أبل»، و«بوينج»، و«كاتربيلر»، و«ستاربكس» وغيرها بأنشطة تجارية على أعلى مستوى لها في الصين، وتدعم عائدات صناديق التقاعد والصناديق المشتركة الأمريكية التي تستثمر فيها. كما تبيع «جنرال موتورز» سياراتها في الصين أكثر من أمريكا نفسها أو أي سوق أجنبي آخر. وتمثل الشركات العاملة في الصين المملوكة بالكامل أو بالمعظم من قبل مستثمرين أجانب 40% من صادرات البلاد.

في وقت زيارة نيكسون، كانت أهم مخططات السياسة المحلية هي السيطرة على الحدود الصينية، كما في ألمانيا الشرقية آنذاك أو كوريا الشمالية الآن، لمنع الصينيين العاديين من الخروج من البلاد إلى الأبد. لكن بعد حوالي نصف قرن، ارتفعت معدلات الحرية الشخصية التي يتمتع بها الصينيون كثيراً، وفي عام 2019 تحديداً، زار 150 مليون سائح صيني الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب شرق آسيا ومناطق أخرى من العالم، وعادوا إلى بلادهم طواعية.

اعتمدت الصين على العديد من المؤسسات التنظيمية المماثلة لتلك الموجودة في ألمانيا واليابان وحتى الولايات المتحدة. وتم إنشاء إدارة الغذاء والدواء الصينية في عام 1998 جزئياً على غرار نظيرتها الأمريكية. وتأثر تصميم إدارة الدولة لحماية البيئة بتصميم وكالة حماية البيئة الأمريكية. واستلهمت السياسة الصناعية للصين فكرها من ألكسندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وبرنامج الصين 2025، الذي يهدف إلى تعزيز ما تعتبره الحكومة الصينية صناعات المستقبل، لا يشبه في مضمونه التخطيط المركزي السوفييتي بقدر ما يشبه مبادرة ألمانية أو حتى السياسات الصناعية العديدة لأمريكا.

إذن، هل كان نيكسون محقاً في مساعدة الصين على إعادة الاتصال بالعالم؟ وبقدر ما ساهمت زيارته والسياسات الأمريكية اللاحقة في نجاح الصين في انتشال مليار شخص من الفقر المدقع، فمن الصعب التفكير في مبادرة أخرى كان بإمكانها فعل المزيد لتعزيز رفاهية الإنسان.

بالطبع، لم يكن الدافع وراء انقلاب نيكسون الدبلوماسي تعزيز يد أمريكا في صراعها مع الاتحاد السوفييتي فحسب، بل العودة مستقبلاً بالفائدة الكبيرة على الأسر والشركات الأمريكية التي تنعم حالياً بنتاج الصعود الاقتصادي المذهل للصين، وهو أمرٌ غالباً ما يتم تجاهله.

زادت الصادرات الأمريكية إلى الصين بشكل أسرع من نظيرتها إلى أوروبا أو اليابان أو المكسيك أو كندا أو البرازيل أو أستراليا خلال العقود الثلاثة الماضية. وبينما يبدو أن الواردات من الصين قد ساهمت في انخفاض وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، نما التوظيف والقيمة المضافة في قطاعات الخدمات الحديثة في أمريكا بشكل أسرع، لأن المنتجات الصينية منخفضة التكلفة، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والمعدات الكهربائية، عززت الكفاءة. كما ساعدت السلع الصينية الأرخص ثمناً بلا شك في خفض أسعار السلع في الاقتصادات الغربية من ثمانينات القرن الماضي وحتى وقت قريب. وطوال فترات الشراكة الاقتصادية المتنامية لأمريكا مع الصين وحتى قبيل انتشار فيروس كورونا، لم تحدث زيادة كارثية في البطالة الأمريكية، إلى أن عكست الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع الصين هذه الاتجاهات. ومن خلال زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية إلى المستوى الذي كان سائداً قبل الحرب العالمية الثانية، واجهت الأسر والشركات الأمريكية أسعاراً استهلاكية أعلى من السابق، واتسع العجز التجاري الأمريكي بدلاً من أن يتقلص، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشركات الأمريكية فقدت قدرتها التنافسية في السوق العالمية نتيجة لتلك الحرب.

وبينما يميل صانعو السياسة الأمريكيون، لأسباب جيوسياسية، إلى إنهاء سياسة المشاركة الاقتصادية مع الصين التي انتهجتها الإدارات المتعاقبة في العقود التي أعقبت زيارة نيكسون عام 1972، فإن المخاطر التي تلوح في الأفق نتيجة لذلك كبيرة، ومن المرجح أن تتأثر مستويات المعيشة في الولايات المتحدة. وفي حين أن النمو الاقتصادي الصيني سوف يعاني كذلك، إلا أن دعم المؤسسات الأمريكية سيخفت وشعبية علاماتها التجارية ستتراجع بين ملايين الصينيين العاديين. وقد تؤدي استراتيجية الفصل الأمريكية إلى تسريع التقارب الاستراتيجي للصين مع روسيا، وربما يقود ذلك إلى تحالف رسمي، وعليه، فإن مزيجاً من الترسانة النووية الروسية والاقتصاد الصيني القوي يمكن أن يمثل كابوساً أكثر ظلمة للهيمنة الأمريكية العالمية.

بعد مرور خمسين عاماً على زيارة نيكسون التاريخية، وصلت العلاقات الصينية الأمريكية إلى أدنى مستوياتها. وبينما يبدو إيجاد أرضية مشتركة مع الصين أمراً صعباً في السياق الجيوسياسي الحالي، فإن المنطق القائل بأن إشراك الصين في العالم يمكن أن يعزز الحرية الشخصية للصينيين ويوفر أيضاً فوائد للأسر والشركات الأمريكية، سيبقى صحيحاً كما كان دائماً.

* كبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الآسيوي وأستاذ المالية والاقتصاد في كلية كولومبيا للأعمال - بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"