النفط 3% من اقتصاد العالم

22:18 مساء
قراءة 4 دقائق

ماسياج كولاوتشكاوسكي وإيمي وايت*

انخفض الطلب على النفط في عام 2020 خلال الوباء، وأدت عمليات الإغلاق إلى انحدار السعر إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ بسبب التراجع الكبير في النشاط الاقتصادي.

ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد حتى تجاوزت مستوى ال 100 دولار للبرميل بعد الانتعاش الاقتصادي القوي الذي أحدثه إنهاء عمليات الإغلاق. وبالتالي فإن نمو الاقتصاد يُعد أحد أسباب نمو الطلب على النفط. علاوة على ذلك، زادت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة من مخاوف الإمداد. مما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم والمخاوف بشأن مستقبل الانتعاش الاقتصادي.

يمثل النفط نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي وهو إحدى أهم السلع في العالم، لكنه ليس محركاً رئيسياً للتضخم المدفوع حقاً بالسياسات النقدية المتساهلة للبنوك المركزية. وفي هذا السياق، لن تكون أسعار النفط العامل الأكبر عندما يتعلق الأمر بالتضخم، لكنها لا تزال مهمة. لماذا؟ لأن النفط مادة وسيطة موجودة أساساً في كل شيء، إذ يمكن العثور على المنتجات البترولية في معدات الحماية الشخصية، والبلاستيك، والمواد الكيميائية، مروراً بالأسمدة، والأدوية، والملابس، ووقود النقل، وحتى الألواح الشمسية. لذلك فتأثيره ليس حجمياً، ولكنه يؤثر في سعر كل شيء تقريباً. ولن تظهر زيادة أسعار النفط في محطة الوقود فحسب، بل أيضاً في جميع السلع والخدمات التي نستخدمها.

قد تؤدي الحركة العالمية نحو الاستدامة في النهاية إلى تغيير مرونة السعر للطلب على النفط. ومع استمرار تحول الطاقة إلى مفاهيمها الجديدة، من المهم أن نعرف كيف تؤثر عوامل العرض والطلب في سعر النفط وبالتالي في الاقتصاد الأوسع.

يمكن القول إن هناك ثلاثة أسباب أساسية لتقلبات أسعار النفط وارتفاعها إلى مستويات ال 100 دولار، والسبب الأول هو ازدهار النمو الاقتصادي الذي يدفع الطلب على النفط. فقبل عامين عندما اجتاح فيروس كورونا العالم، انخفض النشاط الاقتصادي والطلب على النفط. وعدّل المنتجون مستويات إنتاجهم وخفّض المستثمرون سقف أهدافهم الفصلية والسنوية، علاوة على ذلك، كان هناك عدم يقين بشأن مدى شدة الأزمة الاقتصادية وإلى متى ستستمر.

دامت هذه الفترة الصعبة عدة أشهر، تبع ذلك انتعاش اقتصادي مفاجئ ازداد معه الطلب على النفط والمنتجات النفطية من جديد. وتشير التقديرات إلى أن الطلب على النفط في هذه المرحلة قد عاد أو تجاوز بالفعل مستويات ما قبل الوباء. بعبارة أخرى، لم يكن أعلى من أي وقت مضى، شأنه شأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. تذكرون تماماً مع بدء انتشار الوباء، كيف كانت التوقعات كبيرة بخفض انبعاثات الغازات السامة، وتحقق ذلك بالفعل وانخفضت الانبعاثات عدة نسب مئوية في عام 2020. لكن هذه المكاسب لم تدم طويلاً، وعادت الانبعاثات اليوم لتكون هي أيضاً أعلى من مستويات ما قبل الجائحة.

والسبب الثاني لارتفاع أسعار النفط هو محدودية المعروض من المادة الخام بسبب دورات الاستثمار الطويلة وحذر التخصيصات الرأسمالية. فلم يكن العرض قادراً على الاستجابة بشكل كامل للطلب المتزايد، ورغم أن منظمة «أوبك» تعمل على زيادة إنتاج النفط ببطء، ولكن لديها أيضاً طاقة احتياطية محدودة وربما تكون حذرة من زيادة المعروض في السوق مرة أخرى. بالإضافة إلى الطاقة الفائضة، فإن إنتاج النفط له دورات استثمار طويلة جداً، وقد يستغرق الأمر ما يصل إلى عقد للوصول إلى أول إنتاج من لحظة تأكيد الموارد. كما يمكن لبعض المصادر غير التقليدية أن تقدم الإنتاج بشكل أسرع، لكنها محدودة في الحجم. علاوة على ذلك، فإن جميع المنتجين حذرون في تخصيص رأس المال، فقد تعلموا درساً قاسياً من سوق فائض عندما انخفضت أسعار النفط إلى (-40) دولاراً.

أما السبب الثالث وراء انخفاض وتقلبات أسعار النفط فهو بلا شك التوترات الجيوسياسية التي تتفاقم وآخرها بين روسيا وأوكرانيا.

تعمل أسعار النفط المرتفعة على تحسين اقتصاديات السيارات الكهربائية والبدائل الأخرى مثل الهيدروجين والحلول المحتملة الإضافية للتنقل، ولكنها لا تؤثر بالضرورة بشكل مباشر في الطاقة المتجددة. ذلك لأن الأخيرة ليست بديلاً مباشراً للنفط. في المقابل، من المحتمل أن تكون ظروف سوق النفط التي لاحظناها منذ عام 2014 قد أثرت بشكل سلبي في القدرة التنافسية للمركبات الكهربائية وغيرها من أشكال التنقل المستدام. وربما لهذا السبب لم يتم توسيع نطاق المركبات الكهربائية والحلول الأخرى بالسرعة المتوقعة، لأنه ببساطة كان النفط رخيصاً جداً لسنوات. لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد هذا التوازن مع انتقال الطاقة من الآن وحتى عام 2050. النقطة ليست تقويض التحول، ولكن الانتقال يحتاج إلى قيادة حكيمة على جانب الطلب من قبل المستهلكين الأفراد والصناعيين.

من المتوقع أن تتقلب أسعار النفط على المدى الطويل، ومن الصعب للغاية التنبؤ بمستوى الأسعار أو حتى اتجاه التغيير. على أي حال، نرى أن أسعار النفط قد تبقى عند 100 دولار أو أكثر، ولكن ليس لفترة طويلة، وبالتأكيد لن تدوم إلى الأبد. لأنه على المدى المتوسط يجب أن يلحق العرض بنمو الطلب بينما نأمل أن تخف التوترات الجيوسياسية. ومن ثم نتخيل أن يستقر الطلب ويبدأ في التناقص عند نقطة معينة. وبعد ذلك، من الصعب رؤية ارتفاع أسعار النفط. أما بخصوص عدم اليقين الرئيسي ومتى سيحدث؟ يختلف الخبراء حوله بشدة، ويقول البعض إن مثل هذه الذروة ليست سوى بضع سنوات من الآن، والبعض الآخر يقول بضعة عقود.

* المنتدى الاقتصادي العالمي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"