لغز التجارة البينية للصناعة

21:55 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي

على مدار السنين اعتنق كثير من السياسيين وبعض الاقتصاديين (على مدار الطريق من أليكساندر هاملتون وقبله) حماية الصناعات الوليدة على أساس أن نصيب السوق وحده يوفر مزايا عظيمة عن طريق سحر تزايد العوائد. 

وفي عام 1961 وضع ستافان برنستام ليندر (أحد طلبة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) افتراضات حول تأثير السوق الأم، حيث يمكن أن تستفيد الدول من الحظر التجاري أو أن تقوم بنفسها بمنع الواردات من أن تدخل السوق حتى يظل الطلب المحلي مرتفعاً. كان ليندر يفكر في سيارات فولفو التي دخلت سوق السيارات في أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما منع تصدير معظم أنواع السيارات إلى السويد. وأدى ذلك إلى تعلم صناعة السيارات في سنوات قليلة عندما كانت تلك الصناعة تتمتع بالحماية من المنافسة الخارجية، وهيمنت سيارات فولفو على سوق السيارات الإسكندنافي، وفي الستينات بدأت السويد في تعلم كيفية بيع سياراتها عبر البحار حتى في الولايات المتحدة.

أدرك ليندر أن دخول السويد إلى السوق الأمريكي كان نوعاً من الشذوذ. لم يكن من المفروض أن يحدث ذلك، وفقاً لمخطط ریکاردو حول كيفية سير الأمور. تنبأت النظرية القياسية بأنه ستحدث زيادة مستمرة في التخصص بين الدول ستصنع السيارات في إنجلترا، والقطارات في ألمانيا والطائرات في الولايات المتحدة، وأي تأثيرات للأسواق المحلية كحالة صناعة سيارات فولفو ينبغي أن يكون ضعيفاً سوف يمحى سريعاً، ومع ذلك لاحظ ليندر أن الدول الصناعية عملت على زيادة صادراتها في جميع الفئات في نفس الوقت، وأنها صدرت بشكل أساسي لبعضها بعضاً، حيث صدرت الولايات المتحدة السيارات الفورد وطائرات البوينج لألمانيا، وصدرت ألمانيا طائرات «فوكير» وسيارات «فولكس فاجن» للولايات المتحدة، وهو ما عرف في وقت لاحق ب«لغز التجارة البينية للصناعة».

افترض بول كروجمان (حاصل على جائزة نوبل عام 2008)، أن اليابان كانت تفعل ما فعلته السويد تماماً، كما تساءل كروجمان، ولكن على مستوى أكبر، حيث افترض أنها كانت تعتمد على سياسات الحماية وذلك ليس فقط لحماية السيارات ولكن لحماية مجموعة أكبر من المنتجات المتنوعة المناشير التسلسلية في إحدى السنوات (ماكينات جز العشب والمحركات الخارجية في السنة التالية)، حتى يحققوا مزايا الحجم في السوق الأم ومن ثم يتمكنون من البيع بأسعار أقل في الخارج. دولة يمكن أن تسميهم التجار الاستراتيجيين الذين يمكنهم تسخير الدولة لحسابهم، وتمرير القوانين والتنسيق بين مجهود المؤسسات لتحقيق الأثر الذي لم يكن ليتحقق إلا بالمصادفة، وذلك إذا كان سيتحقق بأي حال. 

أولاً سيستهدف سوق الدراجات البخارية ثم السيارات ثم الطائرات ثم الحاسب الآلي. يمكن أن تخرج دول أخرى من سوق معينة بشكل كامل. وعندما تجبر على الخروج، فإن العودة تكون مستحيلة.

ولكن في ذلك الوقت، كان ما يبدو عقلانياً لرجل الأعمال يبدو منافياً لعقل اقتصادي حاصل على تدريب جيد، أو على الأقل، جميع الاحتمالات إلا احتمال وجود متعة. بدون وجود نموذج للعملية التي وصفها رجل الأعمال، فإنه من المستحيل من الناحية النظامية تصور هذا الأثر، كما لا يمكن قياس حجمه. وكما حدث ذلك، فقد كانت هناك أسئلة من هذا النوع كانت موجودة بغزارة في عقول الاقتصاديين في كامبريدج، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أواسط السبعينات، ولكنهم كانوا يعملون في مكان آخر من الغابة. 

في أوائل السبعينات عاد النظام الفرعي الذي عرف بالمنظمة الصناعية إلى الحياة بطريقة مفاجئة، وكانت التحركات داخل المنظمة سريعة وحيوية. كما كانت دعاوى مكافحة الاحتكار ضد «آي بي إم»، و«أيه تي أند تي»، مستمرة في الولايات المتحدة، وفتحت الصحف الاقتصادية لمؤسسة البحث والتطوير «راند» و«بيل» أمام منشئات الأعمال، مؤكدتين الاقتصاد التطبيقي.

كما كانت هناك أسئلة حول إمكانية وقدرة منشأة واحدة على السيطرة على أسواقها توجه باستخدام اللغة الرسمية، وبنجاح متصاعد. لماذا اتجهت تلك المنشآت إلى نواحي نشاط معينة وتركت نواحي نشاط أخرى؟ كيف تم حكمها وتمويلها؟ متى فضلت وجود تدرج وظيفي ومتى فضلت العكس؟ وأوضحت النماذج الجديدة كيف يمكن أن تحقق المنشآت ازدياد عوائدها عن طريق توسيع مدى تنوع منتجاتها، وعن طريق صقل علاماتها التجارية أو عن طريق استخدامها أي وسيلة أخرى لسد الطريق أمام منافسيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"