أشواق مواطن عربي بسيط

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د.يوسف الحسن

من النافل القول بأن أشواق المواطن العربي البسيط، إلى الحديث والتقدم والإصلاح، لا حدود لها، وما يحتاج إليه بالفعل نمذجة وطنية، متصالحة مع واقعه وحياته وتراثه الحضاري، فضلاً عن تقدم العصر، بمعانيه الإنسانية الشاملة، وإنجازاته العلمية.
إن أشواق المواطن العربي البسيط تقبل التنوع في الثقافات والنظم والفلسفات والتجارب الحياتية والتقاليد، إلا أنها تستغرب محاولات البعض من خارج فضاءاتها الثقافية، حذف الفروق بين الكائنات البشرية، والتجارب الإنسانية، والمعتقدات.. إلخ، وتندهش مستنكرة تورط البعض في الغرب الثقافي والسياسي في الإصرار على فرض نموذجه، ولا شك أنه نموذج جميل ولامع ومفيد لأهله، وهو نتاج معاناة عمرها مئات السنين، وخبرات مجتمعات وفلسفات ومناخات وصراعات دينية دموية.
المواطن العربي البسيط، حتى ولو قبل أن يُدفع الدين إلى خارج الفضاء السياسي، يستنكر محاولات الضغط لإبعاد الدين عن المشاركة في صوغ نظم القيم في المجتمع، وبخاصة عبر نظم الزواج والطلاق والسكينة النفسية، والفطرة الإنسانية، ومعاني الخير العام الكوني، المبثوثة في العلاقات الإنسانية السوية، والتي تؤكدها مشيئة إلهية وحكمة ربانية.
الأمثلة كثيرة، ومنها ضغوط تقنين ظاهرة الشذوذ الجنسي، وشرعنة زواج المثليين، وهي ظاهرة تكسر القانون الأخلاقي، وتدمر الفطرة الإنسانية، وتهدد حالة عمران الأرض، ونماء النوع البشري، ولا علاقة لها بمزاعم الحرية وحقوق الإنسان في الاختلاف أو اعتبارها مجرد وجهة نظر.
من ناحية أخرى، هل يعلم المترفون الذين يزعمون أن لديهم فائضاً ضخماً من الحرية والديمقراطية،
أن وصفتهم للدمقرطة في بعض الدول العربية، من خلال المحاصصة، للطائفة أو المذهب أو العرق، هي أسرع طريق للفوضى والتذرر، وهدر الموارد، والحروب الصغيرة التي تستولد حروباً، وتفتح أبواب الشرور والعنف، وتبث في الأجواء زفرات الكراهية الجماعية المتبادلة والشكوك والريبة؟
 إن هذه الوصفات غير العقلانية هي عين ثقافة الحروب الأهلية التي تفسد رئة الوطن ونسيجه، وتغلق الخيارات أمام الإنسان، وتقتل مبدأ الفرص المتكافئة، ومبادئ المواطنة والحكم الرشيد.
ولا ندري من أين جاءت هذه الوصفات لبناء الأوطان، وفرض الأنموذج، وبشكل كاريكاتوري، في حين أن أوطان أصحاب هذه الوصفات الرديئة لم تُبنَ إلاَّ على القانون والمواطنة، وليس على المحاصصة ومجمل شرورها.
نعم، أشواق المواطن العربي البسيط للتغيير والإصلاح والازدهار والسلم المجتمعي، هي أشواق بلا حدود، ولا يعيقها سوى التدخل والارتباك الذي تسببه تلك الضغوط والوصفات الرديئة، لستر عورات أو لحرق مراحل، أو نوازع هيمنة واستغلال شره.
فتح النافذة ضروري، ولا خوف من العصر والانفتاح، لكن الإقامة مع الضغوط والوصفات الرديئة مقلقة، وتروِّج لسيناريوهات مضللة.
لم يخرج الغرب من دوامات العنف إلاَّ حين اتخذ قراراً باحترام سيادة دوله، والامتناع عن ضخ أي مؤثرات سلبية في عروق مجموعات أو مجتمعات فيها الكثير من فرص الانفجار والاستقطاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"