سنغافورة وهونغ كونغ.. عندما تتنافس الاقتصادات

21:56 مساء
قراءة 4 دقائق

تيو تشي هين *

تتمتع سنغافورة وهونغ كونغ بعلاقات ممتازة وطويلة الأمد، تدعمها روابط اقتصادية وشعبية قوية وزيارات منتظمة بين القادة والمسؤولين.
في خطاب ألقاه في هونغ كونغ عام 1968، أي بعد ثلاث سنوات من استقلال سنغافورة، قال رئيس الوزراء والمؤسس الراحل لي كوان يو إن سنغافورة ممتنة لهونغ كونغ، لكونها مثالاً يُحتذى على كيفية استطاعة جزيرة صغيرة مكتظة بالسكان لا توجد فيها موارد طبيعية على الصمود ومواصلة الحياة.
مرّت سنغافورة آنذاك بعقد مضطرب، تغلبت فيه على الانقسامات السياسية والعمالية والتظاهرات الطلابية، وتحدّت انسحاب القوات البريطانية التي وفّرت مظلة أمنية وشكلت أكثر من 20% من الناتج القومي الإجمالي.
وعلى مر السنين، زار لي وزعماء آخرون عدة مرات هونغ كونغ، ودرسوا تطورها، واعتبروا سنغافورة وهونغ كونغ رائدتين في العولمة ومحفزتين للتنمية الاقتصادية في منطقتنا.
اليوم، تعتبر هونغ كونغ شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيسياً لسنغافورة وموطناً لواحدة من أكبر مجتمعاتها في الخارج. وهذه شهادة على ثقتنا في مرونة هونغ كونغ وشعبها، ورغبتنا في أن تواصل المدينتان معاً العمل بشكل وثيق.
غالباً ما تتم مقارنة مدننا في كلا البلدين مع بعضها بعضاً، وهو أمر متوقع. فلدينا منافسة صحية تدفعنا إلى القيام بعمل أفضل، ومع ذلك، يبقى هناك الكثير لنتعلمه من هذا الاحتكاك.
فعلى سبيل المثال، نحن نواجه معاً تحديات مماثلة مثل الشيخوخة، والإسكان الميسور الكلفة، والتعليم، والتغير المناخي، والتنمية الحضرية. في المقابل، تلعب المدينتان أدواراً متكاملة بوصفهما مركزين ماليين لمنطقتنا. وعلينا أيضاً الإبحار سوية في بيئة خارجية معقدة في ظل التنافس المحموم بين القوى الكبرى والشكوك الجيوسياسية، مع الحفاظ على نظرتنا المنفتحة والعالمية. وهو أمر مهم نظراً لتطلع المدن الأخرى إلى النمو في نفس المساحة. وبالنسبة إلى القواسم المشتركة بيننا، فلدينا الكثير لنكسبه من خلال العمل جنباً إلى جنب، فلطالما حافظت المدينتان على زخم التعاون.
تُصنف هونغ كونغ باستمرار بين أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم، ولا تزال واحدة من أكثر الاقتصادات القائمة على الخدمات تطوراً، وبوابة رئيسية للتجارة والاستثمار في الصين. وعلى الرغم من الوباء، نما اقتصاد هونغ كونغ بنسبة 6.4% العام الماضي. كما لا تزال منطقة آسيا والمحيط الهادئ عموماً نقطة مضيئة للنمو. وسنغافورة وهونغ كونغ خصوصاً في وضع جيد للاستفادة من الروابط التجارية والاستثمارية المتنامية في المنطقة.
يوفر اندماج هونغ كونغ مع البر الرئيسي، بما في ذلك مشاركتها في الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، ومبادرة الحزام والطريق، ومنطقة الخليج الكبرى، المزيد من الفرص للتعاون مع اقتصادات جنوب شرق آسيا وسنغافورة واحدة منها. ويمكن لمنصات التعاون السنغافورية مع الصين، مثل مجلس التعاون بين سنغافورة ومقاطعة قوانغدونج، ومبادرة المدينة الذكية (شنتشن) بين سنغافورة والصين، إضافة إلى مدينة المعرفة الصينية السنغافورية (قوانغتشو)، أن تلعب دوراً مضاعفاً في نمو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار يعم سائر منطقة الخليج الكبرى. كما يوفر أيضاً تعاون سنغافورة مع الصين في سوتشو وتيانجين وتشونغتشينغ، لاسيما الممر التجاري الدولي الجديد بين البر والبحر في إطار مبادرة ربط تشونغتشينغ، روابط تكميلية لسوق الصين الأوسع.
وترحب سنغافورة بالمشاركة العميقة لهونغ كونغ في جنوب شرق آسيا بعد أن حصدت الشركات في «الآسيان» وهونغ كونغ على حد سواء فوائد اتفاقية التجارة الحرة بينهما، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2019. والآن تقدمت هونغ كونغ بطلب للانضمام إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، وهي أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم تضم 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستعمل على تعزيز التكامل الإقليمي وفتح الفرص مع تعافي منطقتنا من «كوفيد- 19».
يصادف هذا العام الذكرى ال 25 على عودة هونغ كونغ إلى الصين وإنشاء منطقتها الإدارية الخاصة. وقد شهدت هذه الفترة تقدماً كبيراً وسط العديد من التحديات، بما في ذلك الأزمات المالية الآسيوية والعالمية، وتفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، وفيروس كورونا، ولا ننسى الاضطرابات السياسية عام 2019.
لقد تمكنت هونغ كونغ، مدعومة بروح التحدي لشعبها، من التغلب على هذه العقبات واستعادت المدينة الآن موطئ قدمها. ولأن الاستقرار والقانون والنظام تعد من الأمور الجوهرية لأي مجتمع وتوفر الأساس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالتحام هذه العوامل معاً، يشكل سلسلة فولاذية تعزز بعضها بعضاً وتسمح للمجتمع بالتقدم وبناء حياة أفضل لشعبه. «دولة واحدة ونظامان» هو الإطار التوجيهي لهونغ كونغ الذي ازدهرت بموجبه على الفرص الاقتصادية جرّاء اندماجها الوثيق والبر الرئيسي مع الحفاظ على نظرة دولية قوية. وستستمر هذه المزايا في خدمة هونغ كونغ جيداً، وستوفر أساس التكامل مع البر الرئيسي، مع تطور الأولويات على كلا الجانبين.
أعتقد بأن سنغافورة وهونغ كونغ ستستمران في التقدم معاً والمساهمة في حيوية منطقتنا، ونحن بدورنا نتطلع إلى مواصلة تعزيز التعاون الثنائي على الصعيد الاقتصادي، والبناء على التقدم الذي أحرزه الجانبان.
يمكننا أيضاً مشاركة الأفكار والخبرات لمعالجة القضايا التي تهم الشعبين، وتدعيم شعورهما بالانتماء وتوفير الأمل بالمستقبل، من التعليم المطلوب لوظائف القرن الحادي والعشرين، إلى السكن، مروراً بالمدن الخضراء والمنفتحة على الجميع، مع الحفاظ على صحة وكرامة كبار السن لدينا. أنا واثق من أن سنغافورة وهونغ كونغ ستواصلان إقامة شراكات متبادلة المنفعة وتخلقان فرصاً جديدة لشعبيهما.
* كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي في سنغافورة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي في سنغافورة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"