آخر الثوار

03:20 صباحا
قراءة دقيقتين
 مع وفاة زعيم الثورة الكوبية فيديل كاسترو تطوى صفحة آخر الثوار الكبار الذين تركوا بصمتهم على وجه العالم في النصف الثاني من القرن العشرين ومطالع القرن الواحد والعشرين، وتركوا إرثاً في مجرى الصراع بين قوى الاستعمار والإمبريالية وحركات التحرر العالمية التي كان هو جزءاً منها مع رفيق دربه تشي غيفارا، وغيرهما من قادة ذلك العصر أمثال جمال عبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو ولومومبا ومانديلا وسيكو توريه (غينيا) وكوامي نكروما (غانا).
قضى كاسترو معظم سنوات عمره ، التي امتدت لأكثر من تسعين عاماً، حاملاً راية الثورة في بلاده وفي أمريكا اللاتينية وإفريقيا، لتخليصها من سطوة الأنظمة الديكتاتورية وهيمنة الشركات الأمريكية والغربية، وإقامة نظم سياسية واجتماعية تتعارض مع التوجهات الرأسمالية، ما أدى إلى قطيعة مطلقة مع الولايات المتحدة التي ناصبته العداء خصوصاً بعدما اعتنق الفكر الشيوعي واعتبرته خطراً وجودياً على مرمى حجر منها، وفرضت عليه حصاراً اقتصادياً قاسياً دام حتى مارس/ آذار من العام الحالي عندما قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة تاريخية إلى هافانا فوضع بذلك حداً لهذا الحصار.
لقد صمد كاسترو في وجه الحصار ومحاولات الاغتيال الكثيرة التي تعرض لها، وهزم الغزو الذي تعرضت لها بلاده العام 1961. وكان ملهماً للثورة والتغيير في أمريكا اللاتينية التي كانت «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة، وعلى خطاه سارت فنزويلا وبوليفيا والبرازيل والأرجنتين والإكوادور ونيكاراغوا محاولة شق طريق خاص بها بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
ظل كاسترو حتى اللحظات الأخيرة، وبعد أن تخلى عن السلطة التي سلمها إلى شقيقه ورفيق دربه راؤول كاسترو وفياً للمبادئ التي آمن بها وكرَّس حياته لها، وهو الذي كان يردد دائماً «ليست الثورة طريقاً مفروشاً بالورود، بل هي صراع حتى الموت بين المستقبل والماضي».
لعل من أهم إنجازات كاسترو أنه صمد في وجه أعتى قوة عالمية، وهو على مرمى حجر منها، وجعل من كوبا قاعدة للتحرر في القارة الأمريكية، استلهمت منه فكر الثورة والتغيير.
ومن أعظم إنجازاته الداخلية أنه نجح في إقامة أنجح نظام صحي، بحيث صارت الرعاية الطبية في عهده مجانية، وتم تخريج آلاف الأطباء الذين يقومون بمهامهم على اتساع الأرض الكوبية بحيث انخفضت معدلات وفيات الأطفال حتى أصبحت قريبة جداً من المعدلات في الدول الغربية أو أفضل منها، كما أنه قضى على الأمية بنسبة تجاوزت ال 98 بالمائة، دون أن ننسى الدور الذي يقوم به الأطباء الكوبيون في مناطق العالم التي تنتشر فيها الأوبئة كما حصل مؤخراً في غرب القارة الإفريقية لمواجهة وباء «إيبولا».
مهما كانت الآراء متناقضة حول كاسترو، شأنه شأن كل الرجال العظام، إلا أنه يبقى أسطورة من أساطير الثورة العالمية التي تركت بصماتها وتأثيرها في العالم المعاصر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"