عادي
تربك الوالدين لأنها تصل إلى الأبناء في أوقات متأخرة

الواجبات المدرسية.. إرهاق للطلبة بعد دوام طويل

00:03 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
قد تكون الواجبات المدرسية وسيلة يلجأ إليها المعلمون لتثبيت معلومة، أو تعزيز معارف لدى الطلبة، أو تدريب المتعلمين على اكتساب علوم جديدة ومهارات مهمة مطلوبة، لكن ينبغي أن يكون لها وقت يناسب جميع الأطراف، بحيث لا ترهق الطالب ولا تزعج المعلم.

بدأ يطفو على سطح العملية التعليمية في الآونة الأخيرة، ظاهرة نفور الطلبة من الواجبات المدرسية؛ إذ يثقل المعلمون كاهل المتعلمين بمجموعة واجبات منزلية كبيرة بعد عودتهم مساء من يوم دراسي طويل في المدرسة، محملين بكمٍ هائل من المعارف والعلوم، الأمر الذي يؤثر في دافعيتهم وحياتهم الاجتماعية واستقرارهم الأسري.

وأكد عدد من الطلبة، أن الواجبات المدرسية لا جدوى منها، حيث تأتي في صورة تكليفات «ليلية» تسهم بشكل كبير في تشتت المتعلمين، لاسيما بعد يوم دراسي طويل يبدأ من الساعة 8 صباحاً ويمتد إلى الرابعة عصراً.

شريحة من أولياء الأمور، أكدوا أن التعديل الأخير بشأن الدوام المدرسي، فرض عادات جديدة للمعلمين، الذين يرسلون الواجبات المدرسية للأبناء في أوقات متأخرة ليلاً، الأمر الذي يسهم في إرباك الأسرة، لاسيما الوالدين، فضلاً عن عدم استفادة الطلبة منها بعد الدوام الطويل الذي يمتد ل 9 -10 ساعات يومياً.

عدد من المعلمين أكدوا أن الواجبات المدرسية ضرورة ووسيلة تسهم في الارتقاء بمستويات الطلبة المعرفية، معللين سبب وصولها للطلبة متأخراً إلى ظروف اضطرارية؛ إذ إن المعلم لديه الكثير من المهام التي يقوم بها خلال اليوم الدراسي، ولم يجد فرصة لإعداد تلك الواجبات إلا بعد انتهاء الدوام وانصراف الطلبة.

مديرو مدارس أكدوا التركيز في المرحلة المقبلة على إعادة النظر ووضع خطط للواجبات المدرسية وفق التغذية الراجعة للطلبة، وبشكل يناسب الجميع.

«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي، مدى أهمية الواجبات المدرسية للطلبة، وهل يلعب الوقت المحدد لها دوراً في استفادة الطلبة منها؟ مع الوقوف على آراء فئات المجتمع المدرسي حول بدائل التكليفات التي تأتي متأخراً ولا تفيد الطلبة.

تشتت الأفكار

البداية كانت مع عدد من الطلبة في مختلف مراحل التعليم؛ إذ أكد كل من سماء علي، وسماح سلطان، وحمدان آل علي، وخالد عريف، وعصمت مراد، أن الواجبات المدرسية باتت تشكل أعباء على الطلبة؛ إذ أنها تسهم فعلياً في تشتيت أفكارهم، لاسيما أنها تأتي في أوقات متأخرة ليلاً بعد دوام طويل يقضيه الطلبة في المدرسة.

وسجلوا فشل جميع محاولتهم للإجابة عن محتوى الأسئلة، التي تتضمنها تلك الواجبات، مؤكدين عدم الاستفادة منها، وفي معظم الأوقات يكون حضور الوالدين ضرورة لإنجازها، مطالبين بطرق جديدة في التعاطي مع الواجبات والتكليفات المدرسية لمواكبة التطوير الذي يشهده قطاع التعليم وطرق التدريس.

أوقات غير مناسبة

أما أولياء الأمور مها حمدان وراية عيسى وعبدالله حسين ومحمد المحمود، أبدوا انزعاجهم من الواجبات المدرسية التي تصل أبنائهم في أوقات غير مناسبة بعد دوام طويل يمتد ساعات طويلة، موضحين أن التكليفات في الظاهر مقدمة للأبناء، لكن من يقوم بالإجابة عنها هم الوالدان وليس الطلبة، حيث يدخلون يومياً في رحلة بحث وتقصي لإيجاد الإجابات المناسبة للواجبات.

وقالوا إن أبناء الحلقة الأولى الأكثر تضرراً من تلك التكليفات؛ إذ إن طول الدوام يبدد طاقات الطلبة، وليس لديهم أي تركيز لمجرد النظر في تلك التكليفات، مطالبين بإعادة النظر في تلك التكليفات واختيار الوقت المناسب لها، مقترحين أن تكون في المدرسة وتحت إشراف المعلم، بحيث تكون الفرصة أكبر لاستفاد الطلبة منها.

تعزيز القدرات

في وقفة مع عدد من المعلمين، أكد إبراهيم القباني، وحنان شرف، ووفاء الباشا، وحسن إبراهيم، أهمية الواجبات المدرسية في بناء الطالب معرفياً، وتعزيز مهاراته في جوانب مهمة يراها المعلمون خلال شرح الدرس، فضلاً عن تمكينه وتعزيز قدراته عند التعاطي مع الأسئلة سواء التدريبية أو الامتحانية، وجميعها تنعكس على المتعلمين إيجاباً وتعزز ثقتهم بأنفسهم فيما اكتسبوه من معارف وعلوم.

وفي ردهم على سؤال عن أسباب وصول التكليفات المدرسية للطلبة متأخراً وعدم استفادت الطلبة منها، أقروا فعلياً بأن الوقت الذي تصل فيه الواجبات للطلبة غير مناسب، لكن هذا لظروف اضطرارية تمنع معظم المعلمين من إرسالها مبكراً، ومنها انشغال المعلمين بتدريس الطلبة طول اليوم الدراسي، بعد التعديلات الأخيرة، وعدم قدرتهم على إرسال التكليفات إلا في نهاية اليوم الدراسي وانصراف الطلبة.

أما عن الاستفادة من الواجبات المدرسية، أكدوا أنها مهمة الطالب الذي ينبغي أن يتعاطى معها بجدية واهتمام جزءاً من علومه ومعارفه، وعلى ولي الأمر أن يحل محل المعلم في البيت ويقوم بالمتابعة والإشراف بشكل مسؤول من أجل تحقيق أكبر قدر من الاستفادة للطالب؛ إذ إن الواجبات وسيلة إثرائية الغرض من الارتقاء بمستوى الطالب معرفياً ومهارياً.

تدريبات هادفة

فيما أكد عدد من التربويين ومديري المدارس، وليد فؤاد لافي، وسلمى عيد، وسهام معين، وحسين شامه، أن الواجبات المنزلية تؤثر إيجابا في أداء الطلبة، لاسيما الذين يدرسون في الحلقتين الأولى والمتوسطة، شريطة اقترانها بمساعدة الغير عند الإنجاز، موضحين أن نتائجها الإيجابية وفوائدها لا تظهر إلا عند وصول الطالب للمرحلة الثانوية؛ إذ إن الطالب يكون قد اكتسب الكثير من المعارف والعلوم، ولديه القدرة على التدريب عليها منفرداً، على خلاف الطلبة الذين لا يعرفون شيئاً عن التكليفات المدرسية.

وفي ردهم على كثرة الواجبات وتنوعها بحسب كل مادة دراسية، قالوا إن هذا الأمر يحكمه المعلم؛ إذ إن التكليفات عبارة عن تدريبات هادفة وموجهاً، تركز على نقاط جوهرية بحسب الدرس الذي يشرحه المعلم، ووفقاً لرؤية المعلم لاحتياجات الطلبة المعرفية والمهارية وكيفية تعزيزها، فالواجبات لم تكن يوميا عقابا بل أداة فاعلة للارتقاء بمستوى المتعلمين، والطالب هو الفائز الوحيد فيها.

وفي وقفة معهم حول توقيت إرسال الواجبات المدرسية وطول الدوام الدراسي، ما جعل التكليفات أعباء حقيقية بعانيها المتعلمون، أكدوا أهمية استطلاع آراء الطلبة وأولياء الأمور في هذا الجانب من خلال استبيان خاص بهذا الشأن، وإعادة النظر في التوقيت ونوعية الواجبات، ووضع خطة مناسبة لجميع أطراف في العملية التعليم وفق التغذية الراجعة للطلبة كل مدرسة.

دراسات وتقارير

وفي مطالعة «الخليج» لبعض الدراسات والتقارير الدولية في هذا الشأن، وجدنا توصيات بضرورة ألا تتجاوز مدة الواجبات عن 10 دقائق كحد أقصى لطلبة الحلقة الأولى، مقابل 20 دقيقة لطلبة الثانية، أما طلاب المرحلة الثانوية ينبغي ألا يقضوا فيها أكثر من 120 دقيقة يومياً، مع إعفاء طلبة رياض الأطفال بشكل كامل من الواجبات المنزلية، لإتاحة الفرصة لهم لممارسة أنشطة موازية لا تقل في أهميتها عن مسارات التعلم الذاتي.

في المقابل أكدت دراسات أخرى، أن الطالب الذي يقضي 90 دقيقة أو أكثر يومياً في حل الواجبات المنزلية، يصاب بانخفاض في مستواه الأكاديمي، وليس ارتفاعه كما يعتقد البعض خطأ، معتبرة أن الواجبات المنزلية أحد مسببات ضعف ذكاء الطلبة اجتماعياً وإبداعياً.

ووجدت دراسات وتقارير 5 مزايا للتكليفات المدرسية، أبرزها تحسين مهارات إدارة الوقت والتنظيم ومهارات التفكير، وتقوية قدرة الطالب على الفهم والاستيعاب للدروس جديدة، وتساعد أولياء الأمور والمعلمين على تتبع مستوى الطالب وتقدم فكرة عن مدى استيعابه، وتزيد من قدر تفاعل الأهل مع المدارس، وتسهم في زيادة الثقافة والمعارف العامة لدى الطالب.

10 مسببات

ورصدت المستشارة أميمة حسين 10 مسببات تفرض منع التكليفات المدرسية في المنازل أو التعاطي معها بمنهجية مدروسة تسهم في زيادة دافعية الطلبة للتعليم، أبرزها أن الواجبات المدرسية تسبب القلق للأطفال؛ إذ إنها ظهرت في الأصل عقاباً للطلاب المهملين في المدارس، ولم تثبت لها أي فائدة للطلاب، يتضرر منها المتعلمون اعتقاداً منهم أنها تحرمهم من نشاطات أخرى كالقراءة والرياضة والاندماج الاجتماعي، وتؤثر سلبياً في الذكاء الاجتماعي للطلبة.

وأفادت بأن الواجبات المدرسية تشغل وقت المعلم نفسه في حال كان جاداً في مراجعة كل الأجوبة وتصويب كل المخطئين، موضحة أن المعلمين أنفسهم يفتقرون للتنسيق بينهم، ليتلقى الطالب يومياً أربعة أو خمسة تكليفات يصعب على الطالب إنجازها، موضحة أن الواجبات تثير التوتر في المنزل، ومشاحنات بين الطالب ووالديه، وتسهم أيضاً في تنشيط سوق الدروس الخصوصية؛ إذ إن بعض الإباء يلجؤون إلى المعلم الخصوصي فقط لأداء الواجبات والتكليفات لأبنائهم.

وأوصت المستشارة أميمة حسين بضرورة إعادة النظر في آليات وضوابط التكليفات المدرسية، لاسيما بعد طول الدوام المدرسي، بحيث تكون أداة تحفيز وليس تنفير للمتعلمين، مع مراعاة اختيار الأوقات المناسبة التي لا تثقل كاهل الطلبة أو تربك الوالدين، والأفضل أن يؤدي الطالب الواجبات في المدرسة تحت إشراف المعلم؛ إذ إن التوجيه سيأتي مباشراً من المعلم، مؤكدة أن معظم الوقت في إنجاز الواجبات المنزلية، لا يرفع بالضرورة من نسبة نجاح الطالب في الاختبارات؛ بل يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.

تقنين الواجبات

معظم الأنظمة التعليمية المتقدمة حول العالم، تركز على تقنين الواجبات المنزلية، حيث يمنع تكليف طلبة الحلقة الأولى، بأي واجب منزلي، كما يجب ألاّ تتجاوز المدة الزمنية التي يستغرقها الطالب في الإنجاز 20 -30 دقيقة بالنسبة لطلبة الحلقة الثانية، على أن يكون الطفل قادراً على إنجاز واجباته دون الحاجة إلى مساعدة أولياء الأمور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2j4yvbk5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"