معنى جديد للفقر

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يحتفل العالم يوم الاثنين المقبل باليوم الدولي للقضاء على الفقر، وهو مناسبة لتأمل حال الفقر من عام إلى آخر، حيث تقول مؤشرات العام الجاري إن جائحة كورونا دفعت ما بين 143 163 مليوناً إلى براثن الفقر، وإن ما يقرب من نصف الفقراء الجدد يعيشون في جنوب آسيا، وأكثر من ثلثهم في إفريقيا جنوب الصحراء، تخبرنا الأرقام أيضاً عن تضاعف معدلات الفقر المدقع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هل من جديد بخصوص الفقر؟ ربما أضافت الجائحة بعداً جديداً إلى مسألة تفشي الفقر، ولكن يبدو أن أماكن الفقر باتت معروفة على خريطة العالم، وفي الوقت الذي تتزايد فيه معدلاته، ترتفع معدلات الأغنياء وتتزايد أعداد أصحاب المليارات، وتتضخم ظاهرة الاستقطاب، ولكن هذه الظاهرة باتت ومنذ عدة سنوات منزوعة الدسم باردة الإيقاع لا تثير فينا الرغبة في النقاش.

منذ عدة عقود كانت كلمة الاستقطاب تحيل إلى حزمة من الأفكار والرؤى والتحليلات، كان هناك الاستقطاب الحاد: بين الشمال والجنوب، الفقراء والأغنياء، المركز والأطراف، والمتن والهامش. لم يكن يتحدث أحدهم عن الفقر من دون تطرق إلى الاستقطاب: معناه وقواه الفاعلة وأطره المرجعية، ودوره في تركيز الثروة وزيادة الإفقار. كان الاستقطاب كلمة سحرية دارت حولها الكثير من النقاشات والجدل، الآن ماذا يعني الاستقطاب؟ صحيح هو ممارس على الأرض، فالهوة تتضخم بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون قوت يومهم، ولكن لا أحد يٌنظّر الآن للكلمة أو يبحث في دلالاتها.

ليس الاستقطاب هو من فقد ألقه وبريقه، ولكن نجحت العولمة في تسطيح الفكر وتحويل الأنظار عن الكثير من القضايا والمسائل المهمة، بل ونجحت أكثر في لفت الانتباه بعيداً عن الفقر، وعبر التكنولوجيا ربما أكسبت الكثير من الفقراء شعوراً خادعاً بأنهم لا يعانون الفقر المدقع، فالكثير من الفقراء الآن يغتربون عن قضاياهم الأساسية في مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما تطرحه من عوالم بعيدة عن مشاكلهم ومعاناتهم.

لقد نجحت العولمة أو المرحلة الأحدث من الرأسمالية في الانتقال بالتكنولوجيا من طور التقنية إلى طور الأيديولوجيا، ورسخت عبر أساليبها وقادتها الجدد فكرة مفادها أن الفقر ليس قضية عامة ولكنه يتعلق بالسمات الشخصية، فتلك المواقع مصحوبة بحزمة كتب التطوير الذاتي تتضمن خطابات تتحدث إلى المتلقي بصيغة «أنت»، «أنت تستطيع النجاح»، «بإمكانك أن تحقق أحلامك»، «أنت على بعد خطوة من الثراء»..الخ، ولم يعد الفقر يتعلق بطبقة ونتيجة لأسباب اجتماعية وسياسات اقتصادية وأوضاع يتحكم فيها الآخرون، وبات التخلص منه يرتبط بقدرة الفرد على الاستثمار في مواهبه وتوجيهها على نحو يحقق له أكبر فائدة.

في اليوم الدولي للقضاء على الفقر علينا أن نفكر ليس فقط في كيفية تحسين حياة الفقراء، ولكن أيضاً في طبيعة الشعور بالفقر التي تختلف من فترة إلى أخرى، وفي أسباب الفقر كقضية عامة تؤثر بالسلب في حياة ملايين الفقراء الأمر الذي يتطلب رؤى جماعية وليس حلولاً فردية.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54829edc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"