دور الرقابة الإيجابية

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

كلمة تثير الجدل بين المثقفين ويعارضونها بحدة، كما تستفز شريحة معينة من المفكرين، لكن الجدل أو الاستفزاز ليسا نهائيين كون المفردة تتعرض للاستثناءات أو المبررات، إن كانت أخلاقية أو تعليمية، لاسيما أن المجتمعات البشرية لم تصل بعد إلى مجتمع المعرفة الحقيقي، الذي يفترض نسبة متقدمة من الوعي والقدرة على النقد، كما يفترض نسبة أكبر من تحقيق النصر على الأمية الأبجدية.
 وحين ترد مفردة النسبة فإن مستوى النقاش سيتغيّر ربما جذرياً، ليس بمعنى القبول التام بالرقابة، وإنما بوضع المفردة تحت المجهر في مرحلة تطبيقها على الشرائح المجتمعية المختلفة، وهذا سيقود إلى العثور على شريحة لا تستطيع إدارة ذاتها بذاتها معرفياً، ولا يمكنها التمييز بين النوايا، لاسيما مع وجود طموحات لدى الثقافات الكبرى بتعميم نموذجها، التي تعتقد أنه الأصلح وربما الأنقى والأكثر مواءمة للمجتمعات في العالم، وبالتالي تلجأ إلى تصدير المحتوى الثقافي بأساليب شتى، وتلبس فعلها ثياباً حضارية، كأن تحمّل نفسها مسؤولية عن تقدّم الشعوب وتثقيفها وتنويرها، وربما تحريرها.
 لا شكّ أن معايير الرقابة تغيرت نظراً لتطور الوعي الإنساني واتساع دائرة النقد والنقد الذاتي، ورفعت المؤسسات الرقابية بعض معاييرها معلنة تسامحها مع محتوى لم تكن لتسمح بتداوله بسهولة من قبل. وهناك عامل آخر لعب دوراً مهماً في تخفيف الرقابة على المصنفات بشكل عام، وهو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المتصلة بخوادم هائلة مقراتها في الدول المسماة بالمتقدمة، وصعوبة السيطرة على محتوى ما ينشر في هذه الوسائل، رغم وجود البرمجيات المتطورة لرصد الأفكار والتوجهات التي يعتقدون أنها تنتهك معاييرهم أو تخالف نظام الاستفادة من تلك الوسائل الجماهيرية، ويحدث أن يقع تضارب بين معايير مصممي البرمجيات، والنظم الأخلاقية والقيمية الخاصة بشعوب عديدة منها دول العالم الثالث، ورغم ذلك، نلمس اتساع الفضاء الإلكتروني كل يوم ليستوعب الشطحات البشرية والتجاوزات.
 هل هذا يعني التفكير بإيجاد رقابة من نوع ما في القرن الواحد والعشرين؟
 أولاً نقول إن المجتمعات لا تعيش كلها في القرن الواحد والعشرين، وبعضها لا يزال يحيا في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، وفي ظل واقع متأخر عن الدول التي أنتجت ثورة الاتصال والتكنولوجيا.
 فعلى سبيل المثال، حين نعثر على مجتمع لا تزال الأمية الأبجدية منتشرة بين شرائحه، ومجتمع لا يزال يفضل توفير خدمة التعليم للذكر أكثر من الأنثى، ومجتمع لا يزال ينظر للمرأة نظرة ازدراء، وآخر لا يزال يجبر القاصرات على الزواج، فإن الحديث عن القرن الواحد والعشرين يصبح ضرباً من الخيال. وهذا الواقع لا يعني فرض الرقابة إنما محاولة تحرير تلك المجتمعات من الممارسات غير الإنسانية، عن طريق فرض رقابة إيجابية تحفظ حقوق الذين يتعرضون للتنمر أو التعسّف أو انتهاك حقوقهم.
 الرقابة في القرن الواحد والعشرين مطلوبة ضمن مقاربات تأخذ في الاعتبار مستويات الوعي بين الناس، وتتوجه بشكل خاص لشريحة الأطفال، التي لا تزال تستكشف العالم، ودور الرقابة هو مساعدتها على الاستكشاف بوسائل متطورة ومناهج متقدّمة وأساليب منفتحة. ويلعب الكادر التعليمي هنا دوراً رئيسياً في تقديم المعلومة، من دون أن تكون مرتبطة بالفضول الأخلاقي، وأقرب ما تكون إلى العلوم التطبيقية، بشكل أوضح أن تكون حصة التربية شبيهة بحصة الرياضيات والعلوم.
 أعتقد أن الرقابة بمفهومها الشامل والعميق، يجب أن تكون كالرقابة الأمنية التي تهدف إلى حفظ أمن المجتمع وهو يمارس حقوقه وحريته المسؤولة، رقابة الحماية والردع بأساليب حضارية لا تميل إلى العنف إلا إذا ما شعرت بالتهديد، وهنا يمكن القول إن الرقابة على المصنفات يجب أن تنطلق من مواجهة التهديدات للقيم. والحديث ذو شجون...

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc422k66

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"