عادي
خوارزميات تعيد تشكيل طرائق بناء المتعلمين

التعليم بـ «الميتافيرس».. عوالم افتراضية والمحاكاة لغة التعلم

00:03 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

«الميتافيرس».. مصطلح جديد تردد كثيراً في أركان المجتمعات خلال الأيام القليلة الماضية، يعتبره الخبراء ثورة علمية كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ولديه قدره فائقة ومؤثر بقوة في المجالات كافة، ولكن كيف ستكون المخرجات في ظل ميتافيرس التعليم المرتقب؟ خبراء أكدوا أن «الميتافيرس» فضاء رقمي يضم عوالم افتراضية، ويقدم نوعية جديدة من التعليم، وفق أنماط متنوعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إذ يجمع التعليم الواقعي والافتراضي في قاعة دراسة واحدة، وهذا يأخذنا إلى نواتج تعليمية من نوع جديد جاءت في مهمة لتسابق الزمن.

ثمة دراسات وتقارير دولية، منها تقرير «ماركت داتا سنتر» الذي أفاد بأن قيمة سوق ميتافيرس العالمي بلغت 62.1 مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن تبلغ قيمتها أكثر من 1637.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.

في المقابل، يرى تربويون أن تقنيات الميتافيرس تنقل منظومة التعليم إلى منطقة جديدة، تشكل أجيالاً بفكر جديد، وتطلعات مختلفة قد تصل بهم للفضاء، ولكن تكاليفه الباهظة تعد العائق الأكبر والسبب الأساسي في تراجع المدارس عن التطبيق.

متخصصو الذكاء الاصطناعي رصدوا ل«الخليج» بكل شفافية ووضوح إيجابيات وسلبيات تقنيات «الميتافيرس»، ووضع أكاديميون «وصفة المعالجات»، للتغلب على المعوقات وتحقيق أكبر قدر من مكتسبات الوافد الجديد، لمخرجات تتجاوز حدود الواقع وتسبح في فضاء المعارف والعلوم الافتراضية.

«الإمارات للتعليم» أدخلت «المتيافيرس» في عدد من المدارس الحكومية في مختلف إمارات الدولة «تجريبياً»، استعداداً لتطبيقه، في خطوة نحو تطوير بناء الأجيال وفق متطلبات المستقبل.

«الخليج» تناقش مع خبراء وتربويين ومتخصصين آثار «الميتافيرس» في التعليم، وكيف سيكون إضافة جديدة للمنظومة في الإمارات، وطرائق توظيفه في بناء مخرجات استثنائية قادرة على مجابهة تحديات المستقبل، وأبرز المعوقات التي تواجه المؤسسات التعليمية لتطبيقه.

مجتمعات التعليم

1
عمار كاكا

البداية كانت مع البروفيسور عمار كاكا - الرئيس الفخري لجامعة هيريوت وات دبي، الذي شرح ل«الخليج» ماهية الميتافيرس في مجتمعات التعليم، إذ أكد أن تقنيات الميتافيرس تنتشر في جميع المجالات، بما فيها التعليم، لاسيما بعد ظهور التقنيات الجديدة التي تضم الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR) والبيئات ثلاثية الأبعاد 3D، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والتشفير، والويب 3.0 و«بلوكتشين».

وأفاد بأن الميتافيرس لم يستخدم في مجال التعليم بفاعلية حتى الآن، ولكن المؤشرات تؤكد انخراط المؤسسات التعليمية في تطبيقاته لتقديم تجربة تعليمية مبتكرة ومتطورة، حيث أنه قادر على وضع العالم في قاعة دراسية واحدة.

اهتمام وشغف

وفي وقفته مع أهمية «الميتافيرس» في التعليم، أكد أنها تسهم في زيادة الاهتمام والشغف لدى المتعلمين، موضحاً أن الميتافيرس هو المستقبل القادم، وتقنياته تسمح للمعلمين والمتعلمين بالمشاركة في جلسات صفية تفاعلية، والوصول من أي مكان وفي أي زمان.

المشهد التعليمي

وفي ردّه على سؤال حول المشهد التعليمي في ظل «الميتافيرس»، قال إن هذه التقنيات تعد الأسرع والأشمل والأسهل في عملية التعليم والتعلم، مقارنة بالتعلم عن بعد، إذ يستطيع الطلبة بالفعل حضور المحاضرات في العالم الافتراضي، بطريقة أكثر تفاعلاً وانغماساً من التقنيات الرقمية الأخرى، وهذا سيعيد هيكلة المشهد التعليمي في الإمارات.

أدوات الميتافيرس

وعند حديثه عن احتياجات مؤسسات التعليم، أفاد بأنها مطالبة بتطوير طرق جديدة وذكية، للانتقال إلى تطبيقات الميتافيرس، مع تبنّي نماذج جديدة أيضاً، معتبراً أن البنية التحتية لتكنولوجيا الميتافيرس لا تزال قيد الإنشاء، وأمام الباحثين والمحاضرين وصناع السياسات والمبرمجين فرصة لقيادة ورسم الطريق.

«تعليم بلا مخاطر»

1
سماء عبد الغني

وترى الخبيرة الدكتورة سماء عبد الغني، أن الميتافيرس بيئة افتراضية، لا تحمل معها مخاطر على المعلمين والمتعلمين، إذ يستطيع الطلبة تطبيق تجاربهم العملية ذاتياً، إذ إن عالم الميتافيرس يتيح تكنولوجيا الواقع «الافتراضي والمعزز والمختلط، والبيئات ثلاثية الأبعاد، وتقنيات الذكاء الاصطناعي»، حيث يتم التفاعل معها في الوقت الحقيقي وبشكل فعال ومستمر. وأكدت أنها قادرة على الوصول اللامحدود للموارد التعليمية، مثل أساليب المحاكاة المعروفة والمطورة بشكل كبير، حيث تسمح بالتدريب العملي عن بعد، وهو ما يميز هذه التقنية عن غيرها من أساليب، إذ يمكن أن يقوم طلبة التخصصات العلمية بإجراء تدريب أو تطبيق عملي افتراضياً، في بيئة الفضاء، أو تحت أعماق المياه، أو إجراء عمليات بشرية افتراضية.

كما أكدت الدكتورة سماء عبد الغني أهمية الاستخدام المتوازن للتقنيات، لضمان نتائج أفضل، فقد تعلّمنا من تجربة التعلم عن بعد التي فرضت علينا بسبب الجائحة، أهمية التعلم الواقعي أيضا، وأن الدمج المتوازن في استخدام التقنيات هو الخيار الأمثل دائماً في عالم سريع التطور التكنولوجي، مشيرة إلى أن الميتافيرس منصة جديدة للتدريب والتعليم في المستقبل، حيث يمكن للمعلم والطالب العيش في عالم خيالي، باستخدام الأدوات الإبداعية، مع ضمان التعلم بالممارسة في بيئات التعلم المتنوعة. وأفادت بأن التحديات التي تواجه بعض المؤسسات التعليمية في توظيف الميتافيرس تكمن في الكلفة المادية الباهظة حالياً، وتوفير الإمكانات لجميع الطلبة، ولكن يمكن توفيرها بشكل محدود في مختبرات خاصة، على أن يتبادل استخدامها المتعلمون، وفق جدول يومي منتظم، بحيث يغطي جميع المواد الدراسية، مع توفير الأدلة الاسترشادية للمعلمين بكيفية التوظيف الأمثل وقواعد الاستخدام الآمن.

عوالم افتراضية

وأكد جاري فرنانديز، مسؤول قسم شؤون الطلبة المحتملين بجامعة «هيريوت وات»، أن فكرة «الميتافيرس»، قائمة على عوالم افتراضية تُمكّن المتعلمين من الحضور في مساحة رقمية مجسمة، وتفاعل المستخدم التفاعل معها، كأنه بداخلها فعلياً، موضحاً أن «الميتافيرس»، تعدّ مفهوماً جديداً يشكل عاملاً رئيسياً في تحويل المشهد التعليمي، فبعد الاعتماد المتزايد على نموذج التعلم عن بعد، أصبح تطبيق تقنيات الميتافيرس أسرع وأكثر سهولة، ويستطيع الطلبة بالفعل، تجربة حضور المحاضرات في العالم الافتراضي، أينما كانوا بطريقة أكثر تفاعلاً. وقال إن التعليم بالميتافيرس لا توقفه جوائح ولا تعوقه أزمات أو كوارث طبيعية، وأساليب التعليم والتعلم سوف تتغير مع الاعتماد على تقنيات الميتافيرس، كما نرى تغييراً في طبيعة المتعلمين وخصائصهم أيضاً، موضحاً أن «التقييم» في التعليم بالميتافيرس عبر الأجهزة الذكية، التي تؤدي مهامها بسلاسة وسهولة ويسر، ومنح الأهالي فرصة الاطّلاع على علامات أبنائهم، ومتابعة مستواهم بدقة أكثر، مؤكداً أن الاختبارات التقليدية في طريقها للعدم والزوال، حيث تبدأ الصناعة وسوق العمل في تفضيل التقييم الشامل والتعلم مدى الحياة، كما أن المجتمع سيكون له النصيب في الاستفادة من الكوادر البشرية الماهرة، بفاعلية ما يؤثر إيجابياً في مختلف المجالات.

أبرز التحديات

في وقفة مع عدد من التربويين، أكد كل من سلمى عيد، ووليد فؤاد لافي، وسامح عبد الله، أن «الميتافيرس» تعد ثورة جديدة في ميادين التعليم، ونقلة نوعية على مستوى الصعد كافة، وتسهم في الارتقاء بمستوى المتعلمين والمعلمين والكوادر الإدارية في المنظومة، موضحين أنها قادرة على توفير المعارف والعلوم بمرونة عالية وجودة لا تضاهى.

ولكن الميتافيرس أوجد بعض التحديات التي قد تواجه المؤسسات التعليمية التي تخطط لتطبيقه، أبرزها الكلفة الباهظة التي لا تستطيع جميع المدارس الوفاء بها في الوقت الراهن، فضلاً عن إشكالية التدريب والتأهيل المهني والمهاري للمعلمين، الذي يتطلب حقائب متخصصة لا نعلم إن كانت موجودة، أو العمل جارٍ على إعدادها، مؤكدين أن عملية التطبيق ستأخذ حيزاً كبير من الوقت حتى تصل لدرجة الكمال.

إيجابيات وسلبيات

الصورة
د.عطا حسن عبد الرحيم

وفي محاولة للوقوف على إيجابيات وسلبيات «التعليم بالميتافيرس»، التقينا الدكتور عطا عبد الرحيم مدير مركز التعليم المستمر والتطوير في الجامعة القاسمية الذي شرح ل«الخليج» مزايا وعيوب هذه التقنيات، إذ أكد أن للميتافيرس سبع مزايا، تكمن في توفير العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد للمتعلمين القدرة على العيش والطيران ومشاهدة العالم الموجود بداخلها، وتحقيق كل مهاراتهم بدقة عالية، ورفع مستوى تركيزهم والارتقاء بقدراتهم العقلية، وتعزيز الصورة المجسمة للإدراك الحسي في دماغ الإنسان.

وأفاد بأن الميتافيرس يمكّن المتعلم من التحرك عبر الزمن، إذ إن العالم الافتراضي قادر على أن يأخذه في رحلة حول العالم.

أضرار صحية

وفي وقفته مع السلبيات، قال إنها تكمن في الكلفة الباهظة لأجهزة وتقنيات الميتافيرس التي لا يستطيع عليها جميع مجتمعات التعليم، والأضرار الصحية التي قد تنتج عن استخدام العالم الافتراضي، حيث يقضي معظم المتعلمين يومياً الكثير من الساعات أمام شاشات التكنولوجيا، من دون توظيف حواسهم «البصر والسمع واللمس والحركة» بالشكل الصحيح.

تنافسية التعليم

أكد خبراء وأكاديميّون أن المشهد التعليمي سيكون أكثر تنافسية في الإمارات، ومن المتوقع أن يشهد الميدان مدارس وجامعات ذات قدرات وإمكانات متطورة جداً، الأمر الذي يرفع سقف التنافسية بشكل كبير، ويتيح للمتعلمين خيارات أوسع في التعليم، فضلاً عن توفير المزيد من المنح الدراسية بأنماط متعددة.

نطاق واسع

انتشر مصطلح الميتافيرس على نطاق واسع بعد أن تغير اسم فيسبوك إلى ميتا في عام 2021، حيث أعلنت الشركة عن نيتها لإنفاق 10 مليارات دولار على التكنولوجيا لتحقيق أهدافها في ما يتعلق بعالم الميتافيرس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/muhvwyf6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"