عادي

منارات مطفأة..مي زيادة

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

ميسون أبوبكر
ندرة من أسماء الشاعرات والفلاسفة النساء وصلتنا، حتى كاد التأريخ للعنصر النسائي لا يذكر أمام شلال من أسماء المبدعين الذكور في مجالات إبداعية متنوعة، وإن عُزِي السبب لندرة المبدعات فهو مشكوك فيه من وجهة نظري، حيث أعزو هذا الشح إلى إسقاط أسماء كثيرات لم يصل إبداعهن لنا، أو قمعتهن الظروف القاسية والنظرة القاصرة للمرأة والمسؤوليات التي شغلتهن عن إكمال مسيرتهن وإنتاجهن الأدبي، أو كما حدث مع الأديبة مي زيادة التي تخلّى عنها معجبوها من عمالقة الأدب والفكر كفنان ندّ تحت ستار تمجيد أنوثتها وجمالها فانشغلوا بهما أكثر من كتاباتها.

«مي زيادة أسطورة الحب والنبوغ» كما عنونت الباحثة نوال مصطفى كتابها عنها كان مصيرها مستشفى الأمراض النفسية، قالت عنها بنت الشاطئ «أنا اسكب الدمع على حياة مي، وما حياتها إلا قصة استشهاد طويل».

وغادة السمان ترى أن أيام العز التي عاشتها مي في منتداها لم تكن إلا بداية لمأساتها، فعزلتها الروحية داخلها لا تختلف عن تلك التي عاشتها في المستشفى العقلي الذي زُجّت فيه، فنظرة من حولها لها كامرأة دون إبداعها ككاتبة كانت بمنزلة محبة حمقاء وعواطف خرقاء.

لا يمكن أن تقرأ عن مي زيادة أو لها، إلا وتتسرّب إليك شحنات من الحزن والأسى، فلم تكن مي زيادة أكثر حظاً من النساء اللاتي كن ضحية لمجتمعاتهن، وفريسة لأحزانهن وأطماع الآخرين.

مي التي لم تعش كما نساء ذلك العصر سواء في لبنان مسقط رأس أبيها، أو فلسطين وطن أمها أو مصر التي عاشت فيها وشهدت مجدها، ورجت أقدارها أن تعيدها إليها بعد دخولها مستشفى الأمراض العقلية في بيروت، فقد أشرقت في بداياتها كشمس لم تتسرب جدائل ضيائها من ثقوب المشربيات والبراقع اللاتي كانت تحجب وجوه النساء في عصرها، بل كانت ضمن تيار المثقفين الذين عاشوا عصرهم الذهبي ذلك الوقت،والذين كان لهم صالون مي الأدبي منبراً يجمع عمالقتهم وأصحاب الأعمال والسياسة على السواء في باب اللوق كل ثلاثاء، والذي استمر لربع قرن، والذي وصفه العقاد بقوله «لو جُمعت الأحاديث التي كانت تدور في ندوة مي لتألفت منها مكتبة عصرية تقابل مكتبة «العقد الفريد» ومكتبة «الأغاني» في الثقافتين الأندلسية والعباسية.

«أشرقت مي في حياة الآخرين واحترقت هي» كما تقول عنها نوال مصطفى التي اقترح عليها أنيس منصور الكتابة عن مي، التي اعتبرها أهم شخصية أدبية نسائية في القرن العشرين واعتبر الكتابة عنها التزاماً أدبياً وأخلاقياً.

مي التي كانت مُنية لعدد من الأدباء في عصرها؛ حرصت أن تمارس الحياة بعفة واتزان، فظلت مجرد طيف وبطلة متخيلة في إبداعاتهم الشعرية والروائية.

مي زيادة واحدة من تلك النساء اللاتي قست عليهن الحياة فذبلن سريعاً، لكن صالونها الشهير كان منارة إشعاع وثقافة، يذكر كلما ذكرت القامات السامقة من أهل الفكر والأدب والسياسة والأعمال من رواد المنتدى وعشاق صاحبته.

هذه مي اللامنتمية كما كانت تدعو نفسها. ثقافتها انفتحت على عدة لغات صنعت من مزيجها لغتها الخاصة بمي الأديبة والمترجمة التي كان لها قاموسها الخاص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xdtk52v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"