عادي

الأمة الوسط

22:49 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

الإسلام وسط في الأخلاق والسلوك، بين غلاة المثاليين الذين تخيلوا الإنسان ملاكاً فوضعوا له من القيم والآداب ما لا يمكن أن يدركه، وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوه حيواناً فأرادوا له من السلوك ما لا يليق به، فأولئك أحسنوا الظن بالفطرة الإنسانية فاعتبروها خيراً محضاً، وهؤلاء أساؤوا بها الظن فعدوها شراً خالصاً والإنسان إنما هو قبضة من طين، ونفخة من روح، أودع الله –جل وعلا- فيه عقلاً وجسداً وروحاً، وجعل غذاء العقل المعرفة، وغذاء الجسد الطعام، وغذاء الروح التزكية، كما أوجد له سبحانه: باهرات المعارف، وطيبات الطعام، وزاكيات العبادات، وراقيات السماع، والعاقل من يضرب في كل غنيمة بسهم، ويقطف من كل بستان زهرة، ويلبي حاجة الفطرة بما أمر الله، والمقصر من يضيّع حاجة من حاجات الفطرة فيختل بناؤه ويضطرب تكوينه. (الخصائص العامة للإسلام. يوسف القرضاوي)

تحتل الآية 143 وسط سورة البقرة التي يبلغ عدد آياتها 286..والمدهش أنها توصي بالوسطية وتقرر أن الله تعالى جعل الأمة الخاتمة الشاهدة أمة وسطاً: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً... )

في المعنى اللغوي يقال: وسط القوم، ووسط المكان، فهو واسط. والأوسط: المعتدل من كل شيء (المعجم الوسيط ج2 ص1030).

الراغب الأصفهاني يقول في مفرداته إن الوسط: ماله طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت: وسطه صلب، وضربت وسط رأسه بفتح السين، ووسط بالسكون..

أما الفيروزأبادي فيرى الوسط: عدلاً فيقول: الوسط، من كل شيء أعدله (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) أي: عدلاً خياراً (القاموس المحيط ص893).

وفي تفسير الآية يقول الطبري: َفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا. وَأَمَّا الْوَسَط فَإِنَّهُ فِي كَلَام الْعَرَب: الْخِيَار ولِأَنَّ الْخِيَار مِنْ النَّاس عُدُولهمْ والْوَسَط الْعَدْل..ويُقَال فُلَان وَسَط الْحَسَب فِي قَوْمه: أَيْ مُتَوَسِّط الْحَسَب, إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الرَّفْع فِي حَسْبه, وَهُوَ وَسَط فِي قَوْمه وَوَاسِط، كَمَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَسَط لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّين فلم يغلوا كالنصارى ولم يفرطوا كاليهود.

إن (انعدام الوسطية) أظهر الغلو في فهم الحقائق إفراطاً وتفريطاً، وأولد تيارات وفرقاً سياسية وفكرية متطرفة يلعن بعضها بعضاً ويكفر كل أتباع طائفة، أتباع الطائفة الأخرى، فصرنا أشداء على إخواننا، رحماء على أعدائنا، أقوياء على من ساعدنا، أذلّاء أمام من حاربنا.

واتفقت كلمة العلماء في الفقه والأخلاق ونحوهما على أن الوسط هو خير الطرق وأقومها، وهو الموصل إلى الغاية المرضية من قبل الحق تعالى، والموافق لقصد الشارع المقدس، وكل ما خرج عن ذلك الحد مذموم ملوم ومحاسب دنيا وآخره، والذي يراجع أبواب الفقه وفروعها المختلفة يقف على موارد كثيرة تدعو للأخذ بهذه القاعدة، ومن تلك الأبواب؛ الأطعمة والأشربة حيث يقول سبحانه (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tpe2cvd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"