عادي
علماء دين يؤكدون ضرورة السعي في الأرض

«القضاء والقدر».. تسليم وليس استسلاماً

22:53 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة : بسيوني الحلواني

اختلط مفهوم القضاء والقدر في أذهان كثير من الناس، فمنهم من فهمه على وجهه الصحيح، فسعى في الأرض يعمل ويجتهد ويكافح لتغيير واقعه إلى الأفضل، ومواجهة مشكلاته بإيمان ويقين، ويترك النتائج على الله، ويرضى بما قسمه الله له، ومنهم من ركن واستسلم ورضي بالقليل، ولم يسعَ مرتكناً على أن ما يعانيه منه هو مما قضى به الله وقدره له، ولا دخل له في ذلك، ولا يملك ما يغير به واقعه، أو يحسن به أحواله.

1

يؤكد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الإيمان بالقضاء والقدر «أصل من أصول العقيدة في الإسلام، وهو ركن من الأركان التي لا يتم إيمان المرء إلا به، واعتقاده اعتقاداً جازماً؛ فهو جزء من عقيدة المسلم، وركن من أركانها».

ويوضح الشيخ الطيب معنى القضاء والقدر، فيقول: «القضاء هو الإرادة الإلهية الأزلية المتعلقة بالأشياء على الوضع الذي ستوجد عليه مستقبلاً، أو فيما لا يزال».. أما القدر فمعناه: «إيجاد هذه الأشياء بالفعل على قدر معين وترتيب مخصوص في ذواتها وأحوالها».

ويضيف: «الإيمان بالقضاء والقدر يثبت عن طريقي النقل والعقل، فأما النقل فهو قوله صلى الله عليه وسلم في بيان معنى الإيمان: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله».. فالإيمان بالقدر في هذا النص النبوي الواضح قرين الإيمان بالألوهية والنبوة والغيب».

أما الطريق العقلي فهو ما ورد من نصوص وأدلة وبراهين على ثبوت صفة العلم والإرادة والقدرة لله تعالى، حيث إن ثبوت هذه الصفات الأزلية لله سبحانه يقتضي لا محالة شمول العلم والإرادة والقدرة لكل معلوم ومراد ومقدور، لا يستثنى من ذلك شيء مهما كان عظيماً أو تافهاً.

ويصحح ما يعتقده البعض في موضوع القضاء والقدر، والذين يزعمون أن الإيمان بالقدر يستلزم الإيمان بكون الإنسان مجبوراً ومرغماً ومسلوب الإرادة فيما يفعل أو يترك من الأفعال والإرادات، ويقول: «هذا زعم باطل وادعاء كاذب»، والدليل القاطع على كذب هذا الادعاء هو ما يحسه الإنسان ويشعر به شعوراً واضحاً من أن له مشيئة وإرادة يختار بها هذا الشيء أو ذاك، وإحساسه بأنه إن اختار فعل شيء وعزم عليه فإنه باستطاعته أن يفعله، وإن اختار تركه فباستطاعته أن يتركه، وهو ما يؤكد أن الإنسان ليس مجبوراً، ولا مرغماً، ولا مسلوب الإرادة فيما يأتي وفيما يدع من أفعاله الاختيارية.

تصحيح.. واجب

يؤكد د. علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر أن قضية الإيمان بالقضاء والقدر تحتاج وعياً صحيحاً، وفهماً لجوهرها، والذين فهموها لم تكن عندهم عائقاً عن العمل والسعي والجد والاجتهاد، لأن لها جانبين: جانب غيبي لا نراه وهو جانب الخالق المقدر العليم الخبير سبحانه وتعالى، والجانب الآخر هو من تجري عليهم هذه المقادير، وهم البشر المخلوقون، وحين يقوى إيمان المخلوق بخالقه سبحانه سيريح نفسه ويطمئن فؤاده، وسوف يعلم أن عليه أن يسعى للخير ويعمل به في حدود طاقته ووسعه، دون أن يجهد نفسه بما كتب له عند الله أو قدر لأنه لا يطلع على الغيب، ولا يعرف ما قدر إلا بوقوعه، والوقوع العملي هو الذي يبذله بكسبه وعمله، وحرية تصرفه فيه مصونة مقدرة من ربّه.

فالإيمان بالقضاء والقدر الذي هو ركن الإيمان، بأن نعلم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يحدث شيء في ملكه إلا بما شاء وأراد، ومن واقع هذه المشيئة أراد الله تعالى أن يعطي للإنسان حرية الإرادة، التي يستطيع بها أن يختار، ثم يحاسب بعد ذلك على نتيجة اختياره.

ويشير إلى بعض المعاني السلبية للإيمان بالقضاء والقدر، قائلاً: الذين يتعللون به في ارتكاب المعصية مخطئون، والذين يركنون إلى القدر بالاستسلام لهزائمهم مدعين أنها إرادة الله كذلك مخطئون، فقد يقدر الله أمراً يراه الناس شراً، فتكون الفائدة من ورائه خيراً كثيراً، ولكنه يحتاج إلى عمل وجهد وترتيب، ولا تُجنى ثمرتُه إلا بعد زمن يكون فيه النجاح نجاحات كثيرة، لأنه قد يفتح آفاقاً للفوز والفلاح لولا الإخفاق الأول ما حصلت ولا فتحت بسببها للناس هذه الأبواب.

أساس الطمأنينة

يوضح د. هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر أن المعاصي كلها تأتى من عدم الرضا، والطاعات كلها أصلها من الرضا بقضاء الله وقدره.. ويقول: الرضا عبادة قلبية ما أحوجنا إليها، يذوق معها المؤمن طعم الإيمان وحلاوته، وهو أيضاً علامة على صحة الإيمان؛ ومصداق ذلك ما جاء في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً»، وأن الله عز وجل وعلا، بنى إرادته على علم وحكمة وعفو ورحمة، فليس هناك أي أمر بلا ترتيب أو معرفة للعواقب أو تقدير للنتائج، وكل ذلك في غاية الرحمة واللطف بالعباد.

وينتهي د.عودة إلى تأكيد أن ثمرات الرضا بقضاء الله وقدره كثيرة منها: الثمرات الإيمانية التي تعود على إيمان العبد بالزيادة، وثبات عقيدته، كما أن منها ثمرات أخلاقية تعود عليه بطيب النفس وحسن الخلق، بالإضافة إلى الثمرات النفسية الرائعة التي تكسب صاحبها السكينة والطمأنينة والراحة، وتضفي عليه الهدوء والأمان، كما أنه من أسباب غفران الذنوب والقضاء على الجشع والطمع والسخط في النفس، ليحل محلها رضاً وطمأنينة وتسليم.

الصبر على البلاء

1
د. أحمد معبد

يقول د. أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: «الإيمان بالقضاء والقدر يستلزم الرضا بما قضى به الله وقدره.. ولمطلوب من المسلم شرعاً الصبر على البلاء وعدم الجزع، والأجر هنا بقدر الصبر والتسليم لله عز وجل، وذلك لأن الابتلاء اختبار للمؤمن، يقول الله تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» فلا يجوز للمسلم أن يصدر عنه قول أو فعل ينافي الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وإلّا كان عاصياً لله تعالى، لأن قضاء الله كله خير وعدل وحكمة، فيرضى به كله.. وعلى كل إنسان أن يدرك أن سنة الله في خلقه أن يتغير حال الإنسان بين الفرح والهم، وبين الصحة والمرض، وبين الغنى والفقر، ولذلك فعليه أن يتكيف مع كل ظروف الحياة وتقلباتها، وقال سبحانه:«أولئك يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً». لذلك لا يجوز لمسلم أن يستقبل المصيبة بالجزع والقلق والتوتر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhdu339x

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"