عادي

هابيل وقابيل

22:51 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

هناك هدف تربوي وشعوري أوردته قصة ابني آدم القرآنية، فالنماذج الإنسانية التي نراها في القصة لها مع غيرها دور أساسي في نقل التجارب الحية، لأنها الأرضية التي تعرض منظور الدين للوجود والطبيعة والإنسان.

إن هابيل القتيل كان يؤمن بعدالة قضيته، ولو كان نتيجة هذا الإيمان أن يضع حداً لحياته، فإيمانه نابع من رؤية إنسانية تستهدف ضرب الأسس التي يقوم عليها العنف، باعتباره حلاً لقضايا خلافية مع أشقائه.

ويتفق الباحثون على أن العنف الاجتماعي يتخذ أشكالاً متنوعة، مباشرة وغير مباشرة، خفية ومعلنة، لكن المؤكد هو أن العدوان الخارجي ليس مسوِّغاً لثقافة العنف، بل إن ثقافة العنف داخل المجتمع هي تأسيس للهزيمة أمام العدوان الخارجي.

لقد حان الوقت كي ننتبه إلى أن التنمية ليست مجرد تنمية للأرقام، بل هي، أولاً وأخيراً، تنمية للإنسان حتى لا تقوم ثقافة العنف على منظومة فكرية مركزية عقائدية وأخلاقية تستند إليها.

إن الكائنات الحية توجت بالإنسان الكائن المبدع الذي نُفِخ فيه من روح الله واستخلف في الأرض ليقضي على الفساد وسفك الدماء، ولكن أبدع ما وصل إليه هذا الإنسان في تاريخه بأن توج أعماله بابتكار أدوات الحضارة التي من أهم مظاهرها حرية الإنسان في اختيار طبيعة حياته الاجتماعية وطريقة معيشته.

ونحن ما زلنا نفكّر في الكيفية التي يتسلل العنف إلى حياتنا ويعيث فيها فساداً، حيث على مدار التاريخ الإنساني لم يسلم شعب من الممارسات العنيفة سواء عبر الحروب، أو من خلال الاستعباد والإكراه،

فهل ثمة مستقبل قريب تودّع فيه البشرية هذا الشكل اللاإنساني من الممارسة أو العلاقة ما بين الإنسان وأخيه الإنسان، أو ما بين قوم وقوم أو دين ودين؟

لقد تحمل آدم عليه السلام وزوجه مسؤولية وأمانة المعرفة وربط الأسباب بالنتائج والاعتراف بالخطأ الذي هو بداية طريق التغيير والإصلاح والنقد الذاتي، ويعني هذا «التوبة» بالمصطلح الديني عوضاً عن إلقاء التبعة على إغواء الشيطان وتسويغ الخطأ بأمور خارجية، وتأصّل هذا بموقف ابن آدم، هابيل في نزاع أخيه معه في رفض اللجوء إلى رد العنف بالعنف، حيث كان هذا إيذاناً بأن الإنسان قابل للمعرفة والاستفادة من الخطأ وكيفية حل المشكلة بالحسنى، كأنه يعلن قائلاً: إنني خلق جديد ومزود بقابلية اكتساب المعرفة من التاريخ ونقل هذه المعرفة بالحوار وتأمل الوقائع وتحليلها وليس باللجوء إلى العنف والتدمير. ووجدت بذلك فرصة التطور إلى الأفضل والزيادة في الخلق وبقاء الأنفع والأصلح.

الأنبياء جميعاً كانوا مثل ابن آدم الذي رفض العنف بكل الوسائل وقبل التحدي، تحدي العنف الصارخ باللاعنف المبين. وبعد موقف ابن آدم المتحدي للعنف باللاعنف الفردي، يأتي نوح فيعاني معاناة شديدة ولمدة طويلة «فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً».

إن ابن آدم كان يريد أن يثبت ذاته، ولكن نوحاً كان يريد أن يصنع ملة جديدة ومجتمعاً جديداً، لهذا كانت معاناته أشد، وكما أوحى الحق إلى محمد صلى الله عليه وسلم، قصة ابني آدم بقوله تعالى «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق»، كذلك أمره أن يتلو علينا نبأ نوح فقال «واتل عليهم نبأ نوح»، يونس 71. ويأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، أن يتلو علينا نبأ إبراهيم: «واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون»، الشعراء 69، 70

ويعلمنا القران العظيم أنها سنة الله في خلقه: «ولقد بعثنا في كل أمه رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت..» النحل 36.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ka7pm2s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"