عادي

الإدارة الناجحة

22:39 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر
العنصر الأول في إدارة المجتمعات البشرية هو صناعة الإنسان، وأولئك الذين يعتمدون طريقاً ومنهجاً آخر سيكون مصيرهم الإخفاق، كما حدث للماركسية التي جعلت تغيير المجتمع البشري مرهوناً بتحول وسائل الإنتاج، واعتبرت الإنسان خاضعاً لها، فكان هذا الأمر مدعاة لإخفاقها الذريع.. ويحدث حالياً للرأسمالية كما نرى..

«الرؤية الكونية» من المنظور الإسلامي تقول لنا إن أساس كل شيء هو التوحيد والوحدانية، بمعنى أن الإسلام بأكمله يلخص في حقيقة التوحيد ونفي الشرك. وعلى هذا الأساس، فإن الكون بمجموعه ليس إلا وحدة واحدة، أوجدها رب واحد، وكل حركة وتدبير في هذا العالم يعود إليه، وهذا ما يسمى ب«توحيد الأفعال»، أي أن مصدر جميع تحولات الكون هي ذات الله تعالى.

وهنا تطرح مسألة الربوبية، أي التدبير الذي يحكم الكون، ويعني أن جميع ما في الكون يخضع لإدارة واحدة ولمدير واحد هو الله تعالى. وكلمة رب هي في الأصل تعني: الرئيس والمصلح والمدير والمدبّر، ومصدرها التربية، بمعنى تربية الشيء مرحلة مرحلة، لبلوغ مستوى الكمال.

جميع الإدارات وفقاً لهذا التفكير تعود إلى إدارته سبحانه، كما أنه مصدر جميع الملكيات، لأنه مالك الكون بأسره، وهكذا فقد منح الله تعالى الإنسان الحرية، والكفاءة، والملكية والإدارة في حياته. واختاره خليفة له في أرضه، ومنحه جميع الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه الخلافة.

إن إدارة الله تعالى للكون هي على أساس رحمته، العامة والخاصة، كما في سورة الفاتحة التي نقرأها يومياً في صلواتنا، فبعد وصف الله ب«رب العالمين» نصفه ب«الرحمن» و«الرحيم»، أي أن الكون هو ساحة هاتين الصفتين الإلهيتين: الرحمن والرحيم.

وإدارتنا أيضاً يجب أن تقوم في جميع المجالات على أساس الرحمة العامة (حب المنافس والصديق)، والرحمة الخاصة (الحب الخاص للأصدقاء المقربين والمخلصين).

من هنا، فالذي يربط المديرين بالعاملين في دائرة واحدة، هو رابطة الصداقة والصفاء والإخلاص والمحبة، وهي التي تدفع المجموعة إلى الأمام بقوة.

إن الإدارة البشرية في أداء واجباتها واستيفاء حقوقها مُقيّدة بعدم الخروج على نصوص القانون الإسلامي، أو روحه، وذلك عملاً بقوله تعالى في سورة المائدة: «وأن أحكم بينهم بما أنزل الله»، سورة المائدة 49، وقوله تعالى: «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون»، سورة الجاثية 18.

وسلطة الإدارة مُقيّدة بنصوص الشريعة، فما أباحته فقد امتدّ سلطانها إليه، وما حرّمته عليها فلا سلطان لها عليه. (سمير عالية – الإدارة في صدر الإسلام ). وإذا كانت الشريعة قد بيّنت للإِدارة حقها وواجباتها، وألزمتها بألا تخرج عن أحكامها، وجعلتها كأي فرد عادي فلم تُميزها على غيرها بأي ميزة سوى السلطة، فكان من الطبيعي تحقيقاً للعدالة والمساواة أن تُسأل الإدارة عن كل عمل مخالف للشريعة، سواء أتعّمدت هذا العمل أم وقع منها نتيجة إهمال، ما دام الكل يُسأل عن أعماله المخالفة للشريعة (التشريع الجنائي الإسلامي ج‍1 ص41-46).

كما أن سلطة الإدارة في الإسلام ليست مطلقة بغير حدود لها أن تفعل ما تشاء وتدع ما تشاء، بل هي مقيدة بأحكام الشريعة أو المصلحة العامة للأفراد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/btpvzph4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"