عادي

الصمد جلّ جلاله

22:08 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

كان العرب قديماً يطلقون على من انتهى إليه المجد، وحاز أعلى الرتب اسم «الصمد»، والذي يُقصد به السيد المقصود في أي أمر، فالصمد لدى العرب كان يشير إلى أن من حاز هذا الاسم، فلديه تقضى الحوائج مهما عظمت، وعنده الحل لأية مشكلة مهما كبرت، لكن لو توقفنا قليلاً وسألنا: ما الأمور التي كان بإمكان هذا الشخص أن يقضيها حتى يلقب ب«الصمد»؟ هي أمور في نظر أهلها عظيمة، لكنها ليست كذلك حقيقة؛ إذ ما يستطيع أن يقضيه في بيئته، لن يتمكن من قضائه في بيئة أخرى لا يسيطر عليها، فإطلاق الصمد على أي كان من البشر هو من قبيل المجاز، أما الصمد بالمعنى الحقيقي، فلا يطلق إلا على الله، سبحانه وتعالى.

الصمد اسم من أسماء الله الحسنى، وله لدى العلماء تعاريف عدة، أبرزها أنه المقصود في كل أمر مهما عظم، فالإنسان مجبول على الضعف، وهو يحتاج في كل أمر إلى من يمده بأسباب الرزق أو الصحة أو السعادة، وفي أحيان كثيرة قد يصاب بمرض فلا يجد ترياقاً يُذهب ما نزل به، وقد يصاب بضائقة مالية، فلا يجد من يعينه على قضائها، وقد يبتلى بأمور عدة، تعجز الحضارة الإنسانية أن تجد حلاً لما يعانيه، فعليه ألا ينسى أن الصمد ينادي عباده في أكثر من موضع من كتابه الكريم بأن يرفعوا حاجاتهم إليه، وأن يسألوه ويلجأوا إلى طلب العون منه وحده سبحانه، فهو الصمد المقصود.

عندما نتدبر آيات الله، تعالى، نجد أنه ما من مرة سُئل فيها النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أمر إلا جاء البيان الإلهي «قل». سئل، صلى الله عليه وسلم، عن الأهلة والخمر والإنفاق وأشياء كثيرة، فكانت الآيات تتنزل: «قل» إلا في موضع واحد حينما جاءه أعرابي يسأله: «يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟» فكان الرد «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ» البقرة:186، فلم يقل له:«قل» ليُعلم الصمد عباده أنه إليه ترفع الحاجات ومنه تنال الأماني والرغبات.

الصمد ورد مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة الإخلاص، وفي أحاديث عدة للنبي، صلى الله عليه وسلم، منها ما أورده البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي، كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ».

وحينما يعي المؤمن معنى اسم الله الصمد، يلجأ إلى الله في كل حاجته مناجياً مستغيثاً، وفي الوقت ذاته يكون موئلاً لكل محتاج ييسر أمور خلق الله، ويكون عوناً وسنداً لهم، لييسر الله أمره في الدنيا ويعفو عنه يوم القيامة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9a75pk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"