السياسة الصناعية الخضراء

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

سيباستيان مانغ*

دفع قانون خفض التضخم الأمريكي الشركات المحلية إلى التعاطي مع الأسواق بمزيد من المسؤولية الاجتماعية، لا سيما في ما يتعلق بالأجور والتدريب المهني. وبينما تناقش حكومات الاتحاد الأوروبي استجابة واسعة لقانون إدارة بايدن، يجب على أوروبا اغتنام الفرصة بالبناء على دولة رفاهية أقوى، وتقاليد تضامنية أشمل، وتبنّي نهج جديد أكثر استباقية للسياسات الاقتصادية.

لقد فشل الاعتماد التقليدي على قوى السوق والإنفاق الحكومي المحدود في التصدي للتحديات المُلحّة في عصرنا بالشكل الأنسب، بما في ذلك انهيار المناخ واتساع أوجه عدم المساواة. وعلى الحكومات أن تلعب دوراً رائداً الآن في حل هذه القضايا الأساسية، والتأكد من أن القيمة التي تم إنشاؤها تعود بالفائدة على المجتمع بأسره، وليس على قلة مختارة فقط.

وقد اقترحت المفوضية الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر، تخفيفاً مؤقتاً لقواعد المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي لتحفيز المشاريع الخضراء وإنشاء صندوق سيادة أوروبي مشترك لتوجيه الأموال. وحتى الآن، لا تزال المفوضية غامضة بشأن القطاعات التي يجب أن يموّلها الصندوق، فضلاً عن تكوينه، وأكدت أنه سيشمل إعادة تخصيص الأموال الحالية فقط.

هناك حاجة ماسة إلى تمويل جديد للانتقال الأخضر للمصانع الأوروبية، ونتيجة لذلك، قدرت المفوضية احتياج أوروبا إلى استثمارات إضافية بقيمة 520 مليار يورو سنوياً، لتحقيق الأهداف الخضراء الطموحة. وتشير تقديرات أخرى إلى ضرورة وجود استثمارات سنوية لا تقل عن 855 مليار يورو (لا تشمل قطاع النقل)، في دول الاتحاد الأوروبي.

لقد انتقد البعض اقتراح المفوضية تخفيف القيود على المساعدات الحكومية الأوروبية، مجادلين بأن هذا قد يشكل مصدر استغلال من جانب الدول الكبرى الأكثر ثراء، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، والتي قد تبالغ في مساعدة شركاتها على حساب الشركات المنافسة الأخرى في الاتحاد. وفي رسالة مشتركة، حذّر وزراء مالية سبع دول أعضاء، بينها النمسا والدنمارك وفنلندا، من أن «القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تكون مبنية على إعانات غير موجهة، أو دائمة، أو مفرطة».

وأظهر تحليل حديث مثير للقلق أن السويد والدنمارك ولوكسمبورغ، هي الدول الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك القدرة المالية المطلوبة للتغلب على فجوة التمويل الأخضر من دون كسر حد العجز البالغ 3%. فإذا ما أرادت السياسة الصناعية الخضراء أن تكون مفيدة لجميع الدول الأعضاء، فيجب إما تخفيف القواعد المالية، وإما طلب اقتراض جديد من أجل انتقال صديق للبيئة حقاً.

وللأسف، لا يزال بعض القادة الأوروبيين حريصين على تكرار أخطاء الماضي من خلال الدعوة إلى تمويل السياسة الصناعية الخضراء عبر التخفيضات التقشفية في الميزانيات العامة، وتحرير سوق العمل. لكن هذا لن يُولد استثمارات كافية لسد فجوة التمويل الأخضر، بل سيكون كارثياً على جهود محاربة أزمة كلفة المعيشة، ما يهدد التماسك الاجتماعي وأهداف التنمية الخضراء. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تأتي زيادة استثمار المال العام في الاقتصاد مع ضمانات حكومية كافية بأن الشعوب الأوروبية ستحصد ثمار ذلك، مع الاعتراف بدور تمويل الاستثمارات العامة في توجيه الاقتصاد وتحمّل المخاطر، لا سيما في تطوير صناعات المستقبل.

وبهذا الصدد، يجب أن تترافق الاستثمارات العامة مع ظروف اجتماعية وبيئية أقوى. ففي الوقت الحالي، تواصل العديد من الشركات إعطاء الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل، بما في ذلك الإنفاق الضخم على عمليات إعادة شراء الأسهم التي تزيد من أسعارها، وحزم رواتب التنفيذيين على حساب إعادة الاستثمار في الإنتاج والعمالة.

كما يجب أن تخضع الشركات التي تتلقى إعانات من الحكومة للمساءلة عن تحقيق أهداف معينة للسياسة العامة مقابل الاستثمار العام. ويجب ربط الإعانات المقدمة للقطاعات الصناعية بأهداف أداء محددة، مثل ضبط الانبعاثات، وخلق الوظائف، والحد من عمليات إعادة شراء الأسهم، ومدفوعات الأرباح، والأجور التنفيذية، وزيادة الابتكار.

إلى ذلك، لم تُدرج المفوضية حتى الآن، قواعدها الخاصة بشراء المنتجات الأوروبية مثلما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً. ومع هذا، فإن قواعد المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي، التي تركز على «الأرخص فالأرخص ثمناً» من دون مراعاة معايير أخرى، ساهمت في هجرة الشركات الأوروبية المتخصصة في قطاعي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

إن تطوير استراتيجية صناعية أوروبية خضراء قد يخلق رغبة جديدة في التخلص التدريجي من الدعم العام للوقود الأحفوري، حيث إن هذا الدعم يجعل الاستثمارات العامة والخاصة في التقنيات الخضراء أكثر كلفة. ولا ينبغي تطوير السياسة الصناعية بمعزل عن غيرها، لا سيما في النظر إلى وجوب تقليل الطلب على الطاقة والمواد إذا ما أردنا لاقتصاد أوروبا أن يتماشى مع متطلبات الكواكب.

ومن السياسات الداعمة أيضاً، التخلص التدريجي من المنتجات كثيفة الاستخدام للموارد والطاقة (مثل الطائرات الخاصة وسيارات الدفع الرباعي)، وتوفير الخدمات الأساسية الشاملة لضمان حصول الجميع على حاجاتهم واستخدامها بطريقة تقلل من الانبعاثات.

* كبير مسؤولي السياسة الاقتصادية الأوروبية في مؤسسة الاقتصاد الجديد (يوروآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c3wcbfv

عن الكاتب

كبير مسؤولي السياسة الاقتصادية الأوروبية في مؤسسة الاقتصاد الجديد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"