عادي

"5 + 5" تضخ الدماء في عروق الاتحاد الأوروبي

14:53 مساء
قراءة 5 دقائق
هناك لقاءات وحوارات ونقاشات متعددة جمعت بين أطراف أوروبية وأخرى مغاربية في مناسبات ومنتديات مختلفة، غالبيتها ضغطت عليها الهموم الثنائية، لكن الاجتماع الأخير الذي عقدته مجموعة 5+5 بالرباط في 21 يناير/ كانون الثاني له خصوصية معينة، فلأول مرة تقريبا يتم التركيز على ضخ الدماء في عروق الاتحاد المغاربي واعتبار هذه المسألة حيوية لدول فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال ومالطا، التي تمثل الطرف الأوروبي في هذه الشراكة، في حين لم تبذل دول الطرف المقابل، المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، جهودا حقيقية للوصول إلى هذا الهدف، فقد ظل (ولا يزال) هذا الاتحاد منذ تأسيسه عام 1989 يعاني مشكلات هيكلية تتعلق بتناقض حسابات معظم دوله وتنافر سياساتها وممارساتها عن تصوراتها وتوجهاتها، ما أثر سلبا بالطبع في مسيرة الاتحاد التي أصبحت متوقفة لمدة تزيد على عشرة أعوام، والمشكلة أن الدول الأوروبية في هذه المجموعة (5+ 5) أضحت تعتبر كلفة عدم وجود اتحاد مغاربي مرتفعة بالنسبة لها، لذلك ربما يأخذ هذا المطلب اتجاها عمليا خلال الفترة المقبلة. ساعدت الأجواء الإيجابية التي عقد وسطها اجتماع 5+5 على تبلور هذه الرؤية وزيادة حظوظ نضجها في المستقبل القريب، حيث بدأت الدول المغاربية تستشعر أهمية التقارب وضرورة التخلص من الميراث الثقيل الذي يكبل معظم تحركاتها الجماعية، وظهرت تطورات جيدة على المستوى الثنائي تفتح طاقة أمل لتعزيز التعاون المشترك، حيث تحسنت العلاقات بين المغرب وإسبانيا بصورة ملحوظة وتراجعت رواسب المشكلة التي خلفتها زيارة الملك خوان كارلوس لسبتة ومليلية قبل شهرين وعاد السفير المغربي إلى مدريد، وأخذت بعض المشاكل العالقة طريقها للتفاهم حول أدوات تسويتها، كما ساهم انفتاح ليبيا على كثير من الدوائر الغربية في تخفيف وطأة الانتقادات المتبادلة، وعكست زيارة العقيد الليبي معمر القذافي لكل من البرتغال وفرنسا وإسبانيا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي جانبا مهمًا من التطور الذي شهدته العلاقات بين طرابلس وثلاث عواصم أوروبية أساسية في مجموعة 5+،5 ناهيك عن الاهتمام والرعاية التي توليها بعض العواصم المغاربية للمشروع المتوسطي الذي طرحه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، الذي يرسي قواعد جديدة للتعامل بين ضفتي المتوسط.نعم هناك طروحات ومحاولات متباينة للتعاون بين الجانبين، بعضها خفت بريقه أو تلاشى، والبعض الآخر لا يزال يلقى ترحيبا، وستظل شراكة 5+5 أكثرها قبولا لعدة أسباب، أبرزها ارتفاع نسبة القواسم والهموم والأهداف المشتركة، لذلك فإن مساعي زيادتها تواجه صعوبات وعراقيل ومطبات مختلفة، ومشكلتها أن الجانب الأوروبي يجد صعوبة أحيانا في التعامل مع الدول المغاربية بصورة فردية في الملفات المطروحة التي تحتاج عند التعامل معها إلى شكل جماعي في المعالجة، فكثير من القضايا المتداولة متشابكة سياسيا ومتداخلة اقتصاديا ومعقدة أمنيا، كما أن التحديات الظاهرة تتطلب جهدا جماعيا لتجاوزها.تؤكد المتابعة لمراحل صعود وهبوط العلاقات بين الجانبين أن هناك عوامل أوروبية عدة تفرض التعجيل بالتعاون مع الشريك المغاربي، في مقدمتها مشروع المتوسطية، فرغم أنه يمثل طرحا فرنسيا أساسا إلا أن جذوره تتوافق عليها الدول الأربع الأخرى، ويعتبره البعض بمثابة الإطار العام الذي يحدد الكثير من السياسات الأوروبية خلال الفترة المقبلة، ويعد الاتحاد المغاربي جزءا مركزيا في منظومته ويصلح (الاتحاد) أن يكون نقطة انطلاق لهذا المشروع، ومن دون تفاهم وتقارب وتعاون واتحاد مغاربي سوف يواجه صعوبات جمة، من هنا تدعم فرنسا في إطار دول المجموعة (5+5) أو من خارجها هذه الفكرة التي ظهرت بقوة في اجتماع الرباط الأخير، كما أن الهجرة غير الشرعية من إفريقيا ومشاكلها المتعددة للدول الأوروبية يمكن السيطرة على بعض مفاصلها من خلال توثيق التعاون مع الدول المغاربية، فمعظمها يأتي عن طريقها ويستفيد من السيولة الحدودية، بالتالي فاكتمال وانتعاش المنظومة المغاربية يمكن أن يشكل حاجزا يحول دون تسربها (الهجرة) بغزارة.من جهة ثانية، بات الإرهاب يمثل همًا مشتركا بين دول المجموعة، فالدول المغاربية تعرضت خلال الفترة الماضية لهجمات مختلفة، كان تنظيم القاعدة وفروعه المحلية مسؤولا عنها جميعا تقريبا، وبسبب العوامل الجغرافية يخشى الجانب الأوروبي في المجموعة من وصول أيادي هذا التنظيم إليه، فانتعاشه لسبب أو لآخر في الدول المغاربية حتما سوف يؤدي إلى امتداده خارجها، من هذه الزاوية يلعب إحياء الاتحاد المغاربي دورًا مهمًا في تشجيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بشكل أكثر إحكاما مما هو حاصل الآن، وفي هذا الإطار سيكون من المصلحة الأوروبية التنسيق بصورة جماعية، وتكفي الإشارة إلى أن رالي باريس/ داكار تأجل لأول مرة هذا العام جراء المخاوف الأمنية في الدول المغاربية وما حولها، مع أنه ظل متواصلا لعشرين عاما، ما يكشف عن بعد خطير غير مستبعد أن يهدد لاحقا الاستثمارات الأوروبية المنتشرة في الدول المغاربية، التي يمثل اتحادها أحد عناصر ضبط الإرهاب ومخاطره.إذا كانت عملية ضخ الدماء في عروق الاتحاد المغاربي أصبحت مطلبا للجانب الأوروبي في مجموعة 5+،5 فإنها تمثل حاجة ضرورية لدوله ذاتها من ثلاث زوايا، الأولى دوره في تحقيق مزايا تنموية، فالدول الأوروبية في المجموعة تدرك أن المشروعات التنموية في هذه المنطقة تساعد على تشييد بنية حضارية وتقلل من نسب الفقر الذي تعد الهجرة أحد روافده، والثانية تنشيط هذا الاتحاد يتيح فرصاً استثمارية أكبر، فمعروف أن التكتلات أكثر قوة في تحقيق أهدافها، وبالتالي سوف تكون الدول الأخرى حريصة على التعاون بشيء من التوازن، في هذا السياق يمكن الاستفادة مما يتردد عن منافسة بين فرنسا والولايات المتحدة في شمال إفريقيا، والثالثة، الاتحاد يمكن أن يساعد على حل مشكلة الصحراء الغربية المزمنة وليس العكس، فأحد أهم مفاتيح حلها يكمن في الخلافات بين المغرب والجزائر، وإذا جرى التفاهم وخلق مصالح مشتركة بينهما من الراجح أن يفتح الطريق أمام تسوية تحقق لجميع الأطراف جانبا من أهدافها المتصادمة.ومع التسليم بأهمية مطالب هذا الطرف وحاجات الطرف الآخر، فإن هناك جملة من التحديات التي تعترض مسيرة الوصول لصيغة متماسكة لإحياء الاتحاد المغاربي، أولها حصر المصالح الأوروبية في الجوانب الاستثمارية وعدم التفكير جديا في المشروعات التنموية حتى الآن، فكل ما تم عرضه أفكار ومشروعات يشكك البعض في إدخالها حيز التنفيذ ويرهنها البعض الآخر بمدى ما تحققه من فوائد مباشرة للطرف الأوروبي قبل المغاربي، وثانيها غلبة النزعة الفردية، فمثلا وقعت فرنسا مع ليبيا خلال زيارة القذافي الشهيرة لباريس اتفاقيات وعقودا تقدر بأكثر من عشرة مليارات يورو، وكذلك جرى الاتفاق بين ليبيا وإسبانيا.. وثالثها تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة المغاربية وتعدد أهدافه الاستراتيجية التي تخلق أحيانا تناقضات بين دول الشمال الإفريقي وتسعى للاستفادة من أزماتها في الحصول على مزايا تفضيلية، من هنا سوف تتوقف عملية ضخ الدماء في عروق الاتحاد المغاربي، على مدى قدرة دوله على فك شفرات هذه التحديات والوصول لدرجة من التفاهم والتنسيق الجماعي، باعتباره هدفا ومدخلا لحل كثير من المشكلات والأزمات.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"