عادي
أوراق ناقد

مبدعون من السبعينات

02:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

وصلتني رسالة من جمال سعيد قال فيها: تحياتي إليك أخي الفاضل، ولدي سؤالان: أولاً، ما سبب غياب مخرجين مبدعين ظهروا في مطلع السبعينات أمثال وليام فريدكن وبيتر بوغدانوفيتش وكانوا في تلك الفترة في قمة تألقهم وخلال الثلاثين عاماً الماضية لم يقدّموا أعمالا بالمستوى السابق لهم؟

ثانياً: شاهدت مؤخراً على الأقراص المدمّجة فيلم Ace in the Hole، وكان مذهلاً، وأعتقد أن هذا الفيلم لم ينل قدراً وافياً من النقاد كبقية أفلام بيلي وايلدر الرائعة، ما هو تقييمك للفيلم؟

وشكرا

شكراً لتحيتك..

هناك عدد كبير من المخرجين البارزين في الستينات والسبعينات الذين توقّفوا عن العمل تماماً أو على نحو كبير في النصف الثاني من الثمانينات وما بعد، بينهم على سبيل المثال آرثر بن، جيري تشاتزبيرغ، رالف نلسون، لامونت جونسون، نومان جويسون، هال أشبي، ألان ج. باكولا، وحتى فرنسيس فورد كوبولا وروبرت موليغان وبيتر ياتس، كما بيتر بوغدانوفيتش ووليام فريدكن كما ذكرت. بعض هؤلاء توفي بعيداً عن الكاميرات، وبعضهم الآخر بات اليوم في سن متقدّمة، ومن غير المحتمل أن نشاهد لهم أعمالاً جديدة.

السبعينات (والستينات) كانت فترة ذهبية لكل سينمات العالم بما فيها السينما الأمريكية: لقد احتوى العالم آنذاك القضايا الكبيرة (وليس المصالح الكبيرة كما الحال اليوم) وأمسك المخرجون بزمام الأمور فعلياً عبر موجات وتيارات سينمائية مختلفة من البرازيل الى فرنسا ومن الولايات المتحدة الى بريطانيا مروراً بدول مختلفة على الجانبين ومنها عربية وإفريقية ولاتينية.

بسبب ذلك تمكّن السينمائيون آنذاك من استحواذ فرصة التعبير إبداعياً عن أعمالهم وفي هوليوود تم منحهم إمكانات عمل من دون سؤال. خذ آرثر بن مثلاً الذي يعاد إطلاق فيلمه الرائع بوني وكلايد على اسطوانة هذه الأيام، أسلوب عمله كان مختلفاً عن أساليب عمل المخرجين الذين أمّوا أفلام العصابات، وهو لم يكن يستطيع الإقدام على ذلك لولا أن هوليوود عايشت هذه التطوّرات الاجتماعية والفنية وحتى السياسية.

هذا عنصر. العنصر الثانيمتصل به من حيث ان زوال هذه الحرية التي منحت للمخرجين الأمريكيين باستثناء قلّة، أعني شيئين: إما أن يستجيب هؤلاء للقرار الإداري غير الإبداعي لمنتجين آتين من وراء مكاتب التجارة والتوزيع والمحاماة والمصارف، فيؤمنوا بذلك استمرارية ولو محدودة (كما فعل وليام فريدكن) وإما التوقّف عن العمل على أساس أن المزايا التي صنعت أفلامهم تلك اقتلعت والشروط الموضوعية للإنتاج تغيّرت (مثل بوغدانوفيتش).

لقد كتبت هنا عن فيلمي بوغدانوفيتش وفرديكن الأخيرين. فريدكن حقق الفيلم الرديء حشرة قبل سنتين وبوغدانوفيتش أنجز فيلماً جيّداً مر بهدوء عنوانه مواء القطّة سنة 2001 ولو أنه ظهر ممثلاً في نحو عشرة أفلام في العام الماضي معظمها صغير.

بالنسبة لفيلم بيلي وايلدر المذكور والذي خرج سنة 1951 لا أستطيع الجزم أنه لم يلق بالاً من قبل نقاد ذلك الحين بل ترحيباً، لكن المؤكد أن النقاد العرب (باسثتناء قلة قد لا تزيد على ثلاثة) غابت عن هذا الفيلم غياباً كاملاً. شخصياً كتبت عنه في منتصف التسعينات حين شاهدته على شاشة مؤسسة الفيلم البريطاني والنقاد الغربيون إذا لم ينتبهوا إليه في آنه، انتبهوا إليه لاحقاً وكتبوا معجبين عنه خلال العشرين أو الخمس وعشرين سنة الأخيرة.

إنه دراما اجتماعية ذات رسالة سياسية (وهو أمر غير مألوف للمخرج وايلدر) يدور، لمن لم يره بعد، عن عامل منجم حبيس وضعه صعب. لقد انهار جزء من المنجم فوقه ولديه بضعة أيام يستطيع البقاء حياً تحت الأنقاض ومع أنه كانت هناك طريقة سريعة للوصول إليه وإنقاذه الا أن الصحافي تشارلز تاتوم، كما يؤديه النجم حينها كيرك دوغلاس، ساهم كثيراً في اعتماد وسيلة أطول رغبة منه في استنفاد المأساة لعلّه يصبح نجماً صحافياً كبيراً. إنها فرصته للعودة الى السطح وترك العمل في الصحيفة الصغيرة التي كان يعمل فيها. لم يكن يقصد أكثر من ذلك لكن الأسوأ حدث ويدرك الصحافي أنه عبث بحياة إنسان مقابل مصلحته الخاصّة.

فيلم جيّد كفكرة وكسرد قصصي كما كمعالجة فنية يلتزم بالخط الفردي لكنه يفتح الحديث عن مجتمعات وبيئات تنطلق لاستثمار الحادثة على نحو مصلحي ومادي بحت وتوظيف المأساة لغاياتها. والمنتقد ليس فقط الصحافي بل العديد من الآخرين الذين نمت تجارتهم في تلك المنطقة النائية بعدما توافد السيّاح لمشاهدة عمليات استخراج العامل التي كانت تراوح مكانها. لذلك تم إطلاق عنوان آخر أكثر تعبيراً لهذا الفيلم هو:

The Big Carnival/ الكرنفال الكبير

م. ر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"