«النموذج الصيني» إلى الواجهة

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

وسط الكفاح العالمي الدائر على أكثر من صعيد لكسب المعركة ضد فيروس «كورونا» المستجد، برزت الكثير من الأصوات الرسمية وغير الرسمية، في غير مكان من العالم، محمّلة الصين المسؤولية عن الانتشار الواسع للفيروس، نتيجة تباطئها في نشر المعلومات الضرورية التي تسمح بالحدّ من انتشاره، وإعطاء معلومات ضئيلة حول طبيعة انتقاله، وهو ما أسهم في عدم أخذ الكثير من الدول هذا الفيروس، من حيث طبيعته وقوته، على محمل الجد، لتجد نفسها لاحقاً أمام كارثة غير مسبوقة تطال أنظمتها الصحية واقتصاداتها.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يرغب كثيرون في إسقاطها على الحدث الراهن، فإن بعض التقارير الصادرة عن جهات طبية وبحثية وإعلامية، انتقدت غياب الشفافية لدى الصين في نشر وتبادل المعلومات الضرورية مع المنظمات الصحية والحكومات، من أجل تفعيل الإنذار المبكر، لمواجهة التداعيات الكبيرة والمؤكدة لانتشار الفيروس، وأخذ الاحتياطات الضرورية من مثل تهيئة النظام الصحي، وإصدار القوانين الخاصة بحالات الطوارئ، وتسييل الأموال اللازمة للقطاعات ذات الصلة، وتهيئة الرأي العام، وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تساعد في تقليص الأضرار الناجمة عن الفيروس، خصوصاً البشرية منها.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، قدمت الصين مساعدات طبية لبعض الدول، لتظهر صورتها الحقيقية أمام الرأي العام العالمي، وتدحض التهم الموجهة إليها، ولكن من منظور نظرية المؤامرة، كان الأمر يتعلق بالاستثمار السياسي، خصوصاً في المثال الإيطالي، لتعميق الشرخ بين دول الشمال والجنوب في الاتحاد الأوروبي، لكن هذا المسعى أعطى نتائج عكسية -حسب أصحاب النظرية-، فقد خرج الأوروبيون، وفي مقدمتهم ألمانيا، بعدد من المبادرات، للتأكيد على وحدة الاتحاد الأوروبي، وقيم التضامن فيه، وقد أخذت ألمانيا زمام القيادة، للتأكيد على موقعها الريادي في المنظومة الأوروبية.
من جديد، عاد ما يسمى «النموذج الصيني» إلى الواجهة، في مواجهة أسئلة كبرى، في ظل نموذج فريد، يزاوج بين الشمولية السياسية، وبين الرأسمالية الاقتصادية، والمحافظة على الخصائص الثقافية للمجتمع الصيني.
وعلى الرغم من التناقضين النظري والعملي بين الشيوعية والرأسمالية، فإن صين ماو تسي تونج مؤسس جمهورية الصين الشعبية، ذات المرجعية الشيوعية، تبنّت بعد رحيله في عام 1976، نموذجاً اقتصادياً غربياً ليبرالياً، فالليبرالية الغربية ليست فقط نموذجاً اقتصادياً، وإنما هي منظومة قيمية متكاملة، كما أنها لم تعد حكراً على الغرب، فالقيم السياسية والثقافية والإنسانية لها أبعاد كونية، تتخطى الخصوصيات والجغرافيا، فالديمقراطية والتعددية السياسية وفصل السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وحرية الرأي والإعلام، أصبحت قيماً عالمية/ كونية، ولم يعد من الممكن القول إنها تناسب مجتمعات ودولاً دون غيرها.
العالم بأسره اليوم، وخصوصاً الدول الكبرى على رأس الاقتصاد العالمي، بدأت بإعادة النظر في مسائل أساسية بما يخصّ أمنها القومي، حيث تعود المسائل الصحية وضروراتها كجزء رئيسي في أجندة الأمن القومي، فقد كشفت الأزمة الراهنة عن حاجة ماسّة لإعادة توطين الصناعات الطبية والدوائية، وعدم ترك هذه الصناعات للاحتكار في شرق آسيا، خصوصاً أن براءات الاختراع في معظمها أمريكية وأوروبية، بينما تقوم المصانع الآسيوية بتصنيعها وتصديرها.
أصبحت الصين، على امتداد العقود الماضية، مصنعاً للعالم بأسره، يقدم منتوجات بأسعار منافسة، ولكن هذا العالم قد يتجه مع الوقت إلى تغيير أرض المصنع من الصين إلى مكان آخر، أو أمكنة أخرى، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"