اتحاد الشعبويين الأوروبي

03:47 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

دعوة نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، إلى إنشاء تحالف للقوميين يخوض غمار انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/ آيار المقبل، خطوة لها ما بعدها، لتجميع التيارات الشعبوية في ائتلاف سياسي كبير يغطي معظم الدول الأوروبية، وأهمها إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبولندا والنمسا والمجر، التي تعرف أصلاً وجوداً قوياً للمتطرفين الطامحين إلى إزاحة التيارات الوسطية السائدة منذ أكثر من سبعين عاماً.
سالفيني يريد أن يتزعم معسكراً عابراً للحدود، هدفه تحقيق حلم الشعبويين بتشكيل قوة حاكمة تنقذ أوروبا «التي دمرها البيروقراطيون والمصرفيون»، بحسب وصفه. يأتي هذا الموقف على الرغم من أن الأحزاب القومية لا تؤمن بمفهوم الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية، فقد كان حزب سالفيني«رابطة الشمال» من أشد المناوئين له، وكذلك «البديل» الألماني، و«التجمع الوطني الفرنسي»، بقيادة مارين لوبان. ولكن، يبدو أن اليمينيين اقتنعوا بأنهم لن يحققوا شيئاً فرادى، فاتجهوا إلى الائتلاف ضمن تيار سياسي واسع يخطط لتغيير الأنظمة والحكومات الحالية، واستراتيجياتها حول العالم. وهي خطة لم تكن أجندتها خفية في يوم من الأيام، وبرزت بوضوح في أزمة فرنسا مع احتجاجات «السترات الصفراء»، حين هبت الأحزاب اليمينية لدعمها واحتضانها، وأدت إلى صدام دبلوماسي بين باريس وروما، بسبب دعم الحكومة الإيطالية للشعبويين في الاحتجاجات الفرنسية.
في المقابل، تواجه الأحزاب الوسطية وضعاً لا تحسد عليه، وتشير استطلاعات الرأي الأولية إلى أن أحزاب اليمين المتطرف ستحقق تقدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي، بالنظر إلى أدائها المتنامي في مواطنها. ومع أنها لم تزل بعيدة عن تشكيل تهديد حقيقي في الوقت الراهن، إلا أنها يمكن أن تكسب خطوة على المدى المتوسط. فقد ظهر بوضوح أن اليمين المتطرف الأوروبي قد استثمر بدهاء في قضايا مثيرة للجدل وضعت القوى الليبرالية في حرج، مثل سياسات الهجرة، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، والتمويل الأوروبي لبعض الدول خارج الاتحاد.
حديث أحزاب اليمين المتطرف عن رؤية شاملة للاتحاد الأوروبي، يعكس توجهاً ذكياً من الشعبويين لتشكيل قوة سياسية قارية تؤمن، مكرهة، بضرورة بقاء الاتحاد، بعد اقتناعهم بعدم القدرة على القضاء عليه، من دون أن يخفي هذا التوجه تفكير البعض في انتهاج تكتيك مرحلي يقضي بالعمل من داخل مؤسسات العمل الأوروبي المشترك، لا من خارجه. وهذا ما تأكد في مؤتمر ميلانو برئاسة سالفيني، حين اعتبرت أغلبية المشاركين أن الوقت الحالي هو الفرصة الذهبية لتوحيد اليمينيين المتطرفين دفعة واحدة. كما بدت مقدمات لإجراء مراجعات في بعض السياسات، منها عدم ترحيب البعض بتحقيق «بريكست» في بريطانيا، وبقاؤها ضمن الاتحاد لمد الجسور مع اليمينيين في المملكة المتحدة. ومن أهم المؤشرات على هذا التوجه، تخلي الزعيمة الفرنسية مارين لوبان عن «فريكست»، أي خروج فرنسا من الاتحاد، ما يعني أن هؤلاء الشعبويين لا يتقوقعون في سياسات جامدة، بل يتفاعلون مع الواقع ولا ينتهون عن تحقيق مآربهم المتلونة وغير المطمئنة على الإطلاق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"