عقيدة الحرص الاستراتيجي لدى "إسرائيل"

05:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا شك في أن الكيان الصهيوني المجسد بدولة إسرائيل، هو نمط فريد بين الدول، كونه دولة وليدة بقرار مر في غفلة من التاريخ من المجتمع الدولي، ويتم تجميع كيانه الاجتماعي من شتات عالمي يحاول أن يجمع كل تناقضات واختلافات تكوين المجتمعات الغربية، والمجتمعات الشرقية .

إن هذه الطبيعة الكيانية الملازمة لولادة إسرائيل، جعلت عندها منذ البداية حرصاً استراتيجياً يصل في كثير من الأحيان إلى حدود الرعب الاستراتيجي . ذلك أن إحساساً دفيناً وعميقاً يسيطر على المجتمع الإسرائيلي منذ إنشائه في العام ،1948 وحتى يومنا هذا، وسيظل ملازماً له بشكل دائم، هو الإحساس بالرعب الكياني، الذي يقول إن إسرائيل هي مجتمع لا يحتمل في حياته أكثر من هزيمة كبرى واحدة، لأن هذه الهزيمة ستكون مرادفاً لنهاية هذا المجتمع المصطنع .

هذه الطبيعة الملازمة للكيان الإسرائيلي لا تنعكس فقط على الحالة النفسية الدفينة لمجتمع إسرائيل البشري، لكنها تنعكس أيضاً على الاستراتيجية السياسية والعسكرية لهذه الدولة المصطنعة، ما جعلها، منذ نشأتها، وفي كل يوم من عمرها، حريصة أشد الحرص على مد حصانتها الاستراتيجية، عسكرياً وسياسياً، في كل اتجاه، وعلى بعد أي مسافة منها في الكرة الأرضية، حتى تشكل من مجموع تحالفاتها الاستراتيجية حاجزاً سميكاً يقيها حاضراً ومستقبلاً أي تهديد كياني .

لقد تجلى هذا الحرص الاستراتيجي، الذي وصل إلى حدود الرعب الاستراتيجي، في كل علاقات إسرائيل بأي دولة في العالم، سواء كانت ملاصقة لها جغرافياً، أم بعيدة عنها آلاف الأميال .

من هنا فإن إسرائيل كانت دائماً محمية كيانياً باستمرار عقدة المجتمع الغربي من وقت اضطهاد اليهود في أوروبا القديمة، ما حول أوروبا الجديدة إلى رهينة استراتيجية بيد إسرائيل، تضطر إلى وضع كل ثقلها في حمايتها، ليس ككيان سياسي واجتماعي فقط، بل كمشروع توسعي ذي أطماع لا تنتهي في منطقته .

لذلك أيضاً، كانت محطة تاريخية في مسيرة الحرص الاستراتيجي الإسرائيلي، عندما أحاطت نفسها، على حدودها الجنوبية والشرقية، باتفاقية كامب دافيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، اللتين جاءتا تدعمان سماكة الحاجز الاستراتيجي الذي يحمي ديمومة الكيان الإسرائيلي .

لذلك أيضاً، رأينا بوادر الرعب الاستراتيجي عندما تحولت دولة ايران من نظام الشاه المتحالف مع إسرائيل، إلى نظام الثورة الإسلامية المعادي لها .

ولذلك أخيراً، كانت إسرائيل تتعامل بحساسية شديدة، مع تحولات الدولة التركية في علاقاتها بإسرائيل، حتى بدأت، وقبل التدهور الكامل لهذه العلاقات، تبحث عن بديل استراتيجي سلفاً، وقبل وقوع الأسوأ .

آخر تجليات هذا الحرص الاستراتيجي لدى إسرائيل، تجسد في الزيارة الأخيرة التي قام بها نتنياهو إلى قبرص، لتشديد المزيد من سماكة الحاجز الاستراتيجي الواقي لإسرائيل، بعد أن أصابه شيء من الضعف على جبهة العلاقات الإسرائيلية- التركية .

إن إسرائيل تنظر بشراهة حماسية إلى كنوز النفط والغاز التي أعلنت عن نفسها في عرض البحر المتوسط بينها من جهة، وبين كل من لبنان وقبرص وتركيا، فسارعت إلى عقد تحالف عسكري استراتيجي جاد مع الجزيرة القبرصية، يسمح لها بأن تستخدم الجزيرة كعمق استراتيجي لأي تحرك عسكري إسرائيلي بحري أو جوي لحماية منشآتها النفطية من أي خطر قد يداهمها، في عرض البحر المتوسط .

تفعل إسرائيل ذلك بدأب يومي، ومنذ مدة طويلة، في وقت تتكاسل فيه دولة عربية مثل لبنان، عن اتخاذ أي خطوة عملية حتى الآن، للبدء في استغلال الثروة النفطية في شواطئها الساحلية .

إنه مظهر من مظاهر المفارقات الاستراتيجية المؤلمة بين العرب عامة ، وكيان الدولة الصهيونية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"