نموذج كورونا

05:08 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

تفتح المتابعة الإعلامية، بأشكالها المختلفة، لفيروس كورونا الباب واسعاً لمناقشة فكرة التعاون بين البشر. في الشق الإخباري من المسألة بإمكاننا ملاحظة تلك المتابعة الحثيثة لكل ما يتصل بالفيروس: أعداد الإصابات، الانتشار الجغرافي، آمال التوصل إلى لقاح فعال..الخ.
لقد احتل الفيروس مقدمات النشرات الإخبارية والتغطيات الصحفية واهتمامات الناس على مواقع التواصل وفي أماكن التجمعات وحتى في الشارع. في الشق السياسي بدا وكأن العالم قرية واحدة، هذه الدول تقدم مساعدات، وتلك تعكف مختبراتها على تطوير العلاج الذي يقضي على الفيروس، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من إمكانية لتكرار الصورة في قضايا الساعة مثل: التغير المناخي، والهجرة، وغيرهما؟
سيقول البعض إن الفيروس قاتل يتحرك في الهواء، أثار الهلع حول العالم وأعاد إلى الذاكرة الإنسانية سلسلة طويلة من الأوبئة لم تبدأ مع الطاعون الأسود بأوروبا القرن الرابع عشر، ولم تنته بالإنفلونزا الإسبانية، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وسيقول آخرون التعاون في مجال الطب شيء، والتعاون في حقول تتماس مع السياسة بأزماتها وإشكالياتها شيء آخر تماماً، في الأول تسود القيم وروح التعاضد والتعاطف إزاء حالات الموت المباشر، بينما لا نستطيع أن نلمس الآن نتائج فورية لتغير المناخ، وسيتحدث فريق ثالث عن ارتباط الاحتباس الحراري بسياسات الرأسمالية التي دفعت ماركس يوماً ما إلى الشك في طبيعة خيرة للإنسان، وإلى تلك العلاقة الوطيدة بين الهجرة واضطرابات البلدان الطاردة للسكان، وفكرة السيادة في البلدان التي تغلق الحدود أمامهم.
هذه التبريرات تتجاهل عدة أمور: الأول يتمثل في أن توقعات العلماء والمحللين فيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية لتقلبات المناخ والهجرة أكثر رعباً عند المقارنة بكورونا. الثاني أن موجات الفيضانات والتسونامي التي نتج عنها آلاف الضحايا لا تزال وقائعها طازجة في ذاكرتنا، الثالث: أن ارتفاع الحرارة أو التحكم في أفعال مباشرة للبشر بالإمكان التفاوض حولها، وذلك بعكس الطبيعة شبه العشوائية في انتشار الوباء. هذا فضلاً عن دور منتظر من الإعلام في الصعود بتلك القضايا إلى المقدمة كما حدث في حالة الفيروس.
في روايته «العمى» لم يمنح البرتغالي جوزيه ساراماجو نعمة البصر إلا لامرأة واحدة كانت تؤمن بفكرة التعاون والتآخي بين البشر، أما جميع سكان المدينة فأصيبوا بوباء العمى الذي لم يميز بين الناس بسبب وضعهم الطبقي أو مركزهم السياسي أو معتقداتهم، وعاش الجميع في حالة مزرية أقرب إلى الحيوانات، وهي رؤية أدبية تتماس مع العلم. والرسالة في الحالتين واحدة..لا مستقبل للبشر من دون بصيرة تدفعنا لنتعاون جميعاً حتى لو رفضت أقلية جشعة، لا تبصر إلا أسفل أقدامها، وهي في الحقيقة عمياء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"