معركة ترامب والإعلام.. بث مباشر

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

يبدو أنه لا أمل في إصلاح ذات البين بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والإعلام في بلاده. ما حدث يوم الخميس الماضي يؤكد أن الخصومة بينهما أصبحت مزمنة وأن الطرفين يصرّان على المضي إلى النهاية في تلك المعركة الصفرية التي يتابعها العالم يوماً بيوم بل لحظة بلحظة. لا شيء مستتر، ولا أحد يحاول إخفاء ما عنده.
في ذلك الخميس المشهود صدرت نحو 350 صحيفة، غالبيتها العظمى في الولايات المتحدة وبعضها بالخارج، تتصدر صفحاتها افتتاحيات تندد بمواقف ترامب من الإعلام، وهجومه الدائم على الصحافة والصحفيين.
لم يحدث شيء كهذا ضد رئيس أمريكي في تاريخ الصحافة. ولكن ترامب يبدو استثناء في أشياء كثيرة بينها علاقته بالإعلام، وهي علاقة ملتبسة تسكنها الشكوك والثقة المفقودة منذ اليوم الأول لحملته كمرشح للرئاسة. كان واضحاً منذ البداية أن هناك وداً مفقوداً بين الطرفين. كلاهما هاجم الآخر بضراوة، وكلاهما اتهم خصمه بالكذب، ولم يترك أحدهما كلمة في قاموس الهجاء لم يستخدمها.
وبسبب شخصيته الحادة، ومزاجه الناري، وتصريحاته القاسية ظل ترامب مادة إعلامية تتوفر فيها كل عناصر الجذب الجماهيري، وتضمن متابعة كثيفة من الجمهور. ولكن ترامب بشخصيته تلك لم يكن قط الضحية المغلوب على أمرها. ولم يكتفِ بالرد على الحملات ضده بل بادر بالهجوم الحاد على الإعلام، ووصفه بأنه عدو الشعب، ووصم الإعلاميين بالكذب، وعدم النزاهة وأشياء أخرى سيئة ومشينة.
ويمكن فهم ورصد ملامح الاستراتيجية التي يتبعها ترامب لإدارة معركته العلنية ضد الإعلام من خلال تقرير مهم أعده واحد من علماء السياسة المرموقين هو روبرت ريتش أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا ووزير العمل في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون. يحدد ريتش 7 تكتيكات أساسية يطبقها ترامب لمواجهة الصحافة المناوئة له، أولها توبيخ الإعلام، ومن الواضح أن الأستاذ الأمريكي كان دبلوماسياً في اختيار كلماته لأن ما يقوله ترامب يتجاوز في أحيان كثيرة التوبيخ إلى السب المباشر.
التكتيك الثاني هو وضع قوائم سوداء بوسائل الإعلام غير الصديقة. وهناك وقائع كثيرة تشهد على ذلك منها سحب التصاريح الخاصة بالصحفيين المعتمدين، أو منع بعضهم من حضور المؤتمر الصحفي اليومي للمتحدث الرئاسي. ولم يفلت من هذه الإجراءات مراسلو أكبر المؤسسات.
التكتيك الثالث هو تأليب الرأي العام ضد الإعلام، وهو واضح من هجوم ترامب المنظم والدائم على الصحافة، واتهامها بالكذب ما يساهم في خلق صورة سلبية لها لدى الجمهور وزعزعة ثقته فيها.
رابع تكتيكاته هو إدانة الانتقادات الموجهة إليه. وهو لا يتوقف ولا يمل من القيام بذلك، ولعلها محاولة للضغط على الإعلام، والمبادرة بالهجوم بدلاً من الاكتفاء بالدفاع.
يستخدم ترامب تكتيكاً خامساً وهو اللجوء إلى التهديد المباشر للإعلام، على نحو ما فعل عندما قال إنه يريد تعديل قوانين السب والقذف لتسهيل مقاضاة الإعلام. كما ألمح إلى مراجعة إجراءات تجديد تراخيص البث التلفزيوني في تهديد واضح للمحطات التي تناصبه العداء.
التكتيك السادس هو تقويض قدرة الإعلام على التغطية. ويحدث ذلك من خلال منع بعض الصحفيين من تغطية أخبار البيت الأبيض أو رفض اصطحابهم في جولاته، أو تجنب عقد مؤتمرات صحفية داخلية، وأخيراً يرصد ريتش التكتيك السابع وهو تجنب ترامب للإعلام التقليدي وتفضيله الاتصال المباشر بالجمهور عن طريق «تويتر». وقد توسع ترامب في هذا الاتجاه بصورة لم يسبقه إليها أي رئيس آخر. ومعظم مواقفه يعبر عنها بواسطة تغريداته وهو الأسلوب المفضل أيضاً للهجوم على الإعلام. كما يهوى المشاركة والحديث في اللقاءات الجماهيرية المباشرة أكثر من المؤتمرات الصحفية.
هذه باختصار أسلحة ترامب وتكتيكاته في معركته المستمرة مع الإعلام وهي مواجهة لن تنتهي طالما ظل في منصبه وربما تستمر بعد رحيله أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"