عادي

المساعدات الإنسانية ومعاناة البشر

02:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

نبدأ بحمد الله، وبالترحم على روح المغفور له القائد المؤسس الشيخ زايد وأرواح المؤسسين لهذا الاتحاد، ونستحضر باعتزاز مسيرة عطاء هذا الوطن الغالي، وما حققه من إنجازات في تنمية الإنسان، وفي بناء المؤسسات، وتمكين الشعب، حقوقاً وأمناً ومستوى مرتفعاً في المعيشة، وفي نوعية الحياة والرفاه، وفي العمر المديد، والخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية الحديثة، وفي تحقيق سمعة إقليمية ودولية عالية، ودور نافع للإنسانية .

حينما نتحدث عن مسيرة العمل الخيري والإنساني، في ظل الاتحاد خلال العقود الأربعة الماضية، نتحدث عن نموذج يحتذى، إن كان على المستوى الرسمي أو على المستوى الأهلي، وهو عمل صاف للخير والبر، تخفيفاً لمعاناة البشر، بغض النظر عن اللون أو العرق، والدين .

نتحدث عن نموذج للعطاء الإنساني، المتسم بالنزاهة والحيدة، والخالي من الشروط السياسية . ويُقدم من غير منّة، وأذكر أنه كان من المتعذر علينا كدبلوماسيين في العقدين الأوليين من قيام الاتحاد، الوقوف على حجم هذا العطاء من مساعدات ومنح، نظراً لتعدد الجهات المانحة، ولأن الفلسفة الإنسانية الراقية والمستمدة من تراثنا الإسلامي والعربي، والتي كانت سائدة تقوم على فضيلة الكتمان في عمل الخير، فاليد اليسرى لا تعرف ما تقدمه اليد اليمنى، وفي عالم السياسة والدبلوماسية، فإن هذه الفلسفة غير قابلة للصرف .

***

ومن الضروري أن نتذكر، وبخاصة حينما نقدم كشف حسابنا في المساعدات الإنسانية والإغاثية في إطار كشوفات الحسابات الدولية، وهيئات الأمم المتحدة، أن تدفقات العون العربية في الفترة من 1970 2009 قد بلغت نحو 144 مليار دولار أمريكي، وأن الحصة الأكبر من العون الإنمائي العربي هي من ثلاث دول: الإمارات والسعودية والكويت، وقد قدمت هذه الدول مساعدات إنمائية رسمية بلغت في المتوسط نحو واحد في المئة من دخلها القومي الإجمالي، في حين لم يتعدَّ متوسط المساعدات الإنمائية الرسمية لمعظم الدول الغنية في العالم مستوى 0،3% من دخلها القومي الإجمالي .

وفي الوقت نفسه، من الضروري أن نتذكر، أن هذه المساعدات الإنمائية العربية، هي من دول نامية إلى دول نامية أخرى، وهذا له دلالاته الحضارية والاقتصادية، فضلاً عن أن الدول الخليجية المانحة، تعتمد على عوائد النفط، وهو مورد قابل للنضوب، وتخضع دائماً أسعاره للتقلبات .

كما تتسم هذه المساعدات بدرجة عالية من اليسر، وتشمل منحاً وهبات، وقروضاً ميسرة ومعونات فنية، وتسهم في تحقيق الاستقرار والرفاه الاجتماعي، وتدفع عجلة التنمية الاجتماعية والصحية والتعليمية، وتوفر الغذاء والماء، وتؤوي المشردين من الكوارث الطبيعية والحروب، وتخفف من حدة الفقر والجوع، كما تراعي الأولويات التي تحددها الدول المستفيدة ذاتها . وبالتالي، فإنها اتجهت إلى المناطق الفقيرة .

وتبين إحصائيات صندوق النقد العربي، والتقرير الاقتصادي العربي الموحد، أن معظم المساعدات العربية، اتجهت نحو جنوب الصحراء في إفريقيا، حيث أكثر من 62% من السكان في فقر مدقع، وكذلك إلى جنوب آسيا وشرقها ووسطها . ويقدر أن ثلثي المجموع التراكمي للمساعدات الإنمائية العربية ذهبت إلى دول يقل فيها نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عن 1500 دولار سنوياً .

إن أزمات الفقر والكوارث، تمتد عادة إلى ما وراء الحدود الوطنية، وتؤثر على البلدان المجاورة، وما وراء المجاورة أحياناً، وتُعرّض هياكل هذه البلدان، السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمحن قاسية، وليس بإمكان أي بلد، ضعيفاً كان أو قوياً، أن يكون بمأمن أو معزل عن الأخطار الناشئة بفعل الإنسان أو الطبيعة، وفي حالات الطوارئ المعقدة، من تشرد ولجوء، وأزمات إنسانية تلحق أذى شديداً بالأطفال خاصة، وبسبب تغير المناخ مثلاً، فإن عدد المتضررين من الكوارث في منتصف العقد الماضي، كان أعلى بثلاثة أمثال مما كان عليه في السبعينات .

لقد مثّلت المساعدات الإنسانية، التي قدمتها الإمارات خلال العقود الأربعة الماضية، دليلاً على الالتزام بإنقاذ الأرواح، وتخفيف المعاناة، في ظروف الصراعات العنيفة، أو الكوارث الطبيعية، وأحياناً كانت الإمارات تقدم هذه المساعدات، في ظل أوضاع وأماكن ينعدم فيها الأمن، ويشكل تحدياً كبيراً، وبخاصة في الدول الهشّة، والمجتمعات المنهارة أو المنكوبة .

وقد أثبتت الأعمال الخيرية والإنسانية التي قدمتها الإمارات، أنها أسهمت في تحسين البيئة السياسية والأمنية للمتأثرين بالصراعات الأهلية، والكوارث الطبيعية، في البوسنة والصومال وأفغانستان والعراق وفلسطين والباكستان واليمن وغيرها . وفي سياق العمليات الإنسانية، بادرت الإمارات بتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة، إلى تنفيذ مشروع لإزالة الألغام في جنوب لبنان، وقد عزز هذا النشاط الإنساني المصالحة الوطنية، ووطد الثقة والسلم الأهلي، وأسهم في الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، وأزاح عبئاً إنسانياً فادحاً عن كاهل الأجيال القادمة .

ومن خلال المساعدات الفعَّالة، في إعانة بلدان عديدة للتخلص من وطأة الفقر، عززت الإمارات شراكات طويلة الأمد، مع دول وهيئات دولية .

وفي هذا الإطار، فإن من الإنجازات الدولية المشتركة التي تحققت بفضل المساعدات الإنمائية، القضاء على شلل الأطفال في أمريكا اللاتينية، والسيطرة على وباء الإيدز في تايلاند، وتحسين القدرة على حماية الأمهات من الوفاة أثناء الولادة في سريلانكا .

لا يمكن للبشر، أن يتمتعوا بحقوق الإنسان تمتعاً حقيقياً، إلا إذا انعتقوا من ربقة الفقر المهينة، وتحرروا من الخوف والجوع، ورسالة الإمارات التي جسّدها وحملها المغفور له الشيخ زايد، ويحمل أمانتها الآن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في العطاء الإنساني والإنمائي والخيري، ستظل حيّة وفعّالة بإذن الله، وقائمة على مبدأ نبيل ألا وهو نحن نعمل الخير لأجل الخير، وللبشرية جمعاء، ولا نرجو جزاء ولا شكوراً، وهو المبدأ الذي أعلنه المغفور له القائد المؤسس في حديث له عام 1973 .

إن عالم الإنسانية اليوم، مازال يموت فيه أكثر من عشرة ملايين طفل قبل أن يبلغوا عامهم الخامس، ولايزال أكثر من مليار من البشر، يعانون من نقص التغذية بصورة مزمنة، ولايزال نصف العالم النامي يفتقر إلى المرافق الصحية، ولايزال خُمْسُه، يفتقر إلى المياه المأمونة .

. . . .

. . . .

هذا هو دور إمارات العطاء، حفظها الله آمنة، وبارك في قيادتها وشعبها، ومكَّنها من مواصلة تأدية هذه الرسالة الإنسانية النبيلة .

نص الكلمة التي ألقيت في احتفالية مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية يوم السابع من ديسمبر الجاري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"