القاعدة 72

01:07 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبد العظيم محمود حنفي

لم تبد مستويات المعيشة، عبر آلاف السنين أي اتجاهات فعلية طويلة الأمد أو أي تباين كبير من بلد إلى آخر. ثم حدث في القرن الثامن عشر، أول تحول مفاجئ في مسار التاريخ الاقتصادي. فقد استحدثت الثورة الصناعية ارتفاعاً ملاحظاً ومستمراً في مستويات المعيشة بدءاً من بريطانيا، إلى أوروبا فاليابان. وظلت البقية يومها - أي أكثر من أربعة أخماس البشرية، عالقة في الماضي الزراعي.
بحلول عام 1950 أصبح العالم مكاناً غير متكافئ بصورة عميقة. ثم بدأت بعض البلدان لا سيما في آسيا، التي كانت متأخرة عن الركب، تحقق النمو بمعدلات غير مسبوقة بلغت 7% سنوياً مما مكنها من البدء برأب الفجوة التي تبعدها عن الاقتصادات المتقدمة. وفي عهد أحدث، بدأت البلدان الأكثر اكتظاظاً بالسكان (الصين والهند) في تحقيق معدلات نمو قرب 10% ما جعل بعض المحللين يبشرون بتقارب متجدد في مستويات المعيشة واللحاق بركب الاقتصادات المتقدمة، والعملية الحسابية وراء هذا التقارب تعرف بقاعدة 72 التي تقول إنه يمكنك حساب عدد السنين اللازمة لمضاعفة مستويات المعيشة وذلك بقسمة 72 على متوسط معدل النمو.
ومن ثم، فإذا كان هناك بلد ينمو بمعدل 10% فإن مستوى معيشته سيتضاعف بنحو 7 سنوات. ويعنى ذلك أنه إذا بدأ هذا البلد بدخل للفرد عند 500 دولار ونما بمعدل 10% سنوياً، فإن الدخول يمكن أن تصل إلى 16 ألف دولار خلال 35 سنة. وبعد ذلك ببضع سنوات، تصبح الدخول في مستوى تلك الاقتصادات المتقدمة. وذلك بالطبع بافتراض استمرار هذا البلد في النمو بنفس الوتيرة.
وهذا في الواقع شرط مهم، لأن النمو عملية غامضة. فلم يستطع سوى 13 بلداً أن ينمو بنسبة 7% في المتوسط على مدى 25 سنة. ومن بين تلك الثلاثة عشر المحظوظة، لم يواصل سوى نصفها سعيه لبلوغ مستويات الاقتصادات المتقدمة. بمعنى آخر، فإن اللحاق بتلك الاقتصادات المتقدمة بعيداً عن أن يكون أمراً حتمياً. لهذا السبب يتساءل المحللون عن المفاتيح المؤدية للنجاح؟ لا أحد يعرف ذلك حقاً. لكن خبراء الاقتصاد لديهم بعض الأفكار، فيرى بعض الخبراء أن البلدان الفقيرة تنمو من خلال آليتين أساسيتين:
أولاً، حصولها على المعرفة من البلدان الغنية. وثانياً، تخصصها في إنتاج سلع تحتاجها بلدان أخرى بحيث تتحاشى محدودية القوة الشرائية المحلية والتباين بين ما يطلبه المواطنون المحليون وما يبرع البلد في إنتاجه. وكثير من البلدان يتوصل إلى صيغة ناجحة، مثل الصادرات التي تقوم على العمالة الكثيفة، ثم تحاول التمسك بها، وذلك أساساً بمنع أي زيادة في أسعار الصرف لديها. لكن النمو المستمر يقتضى حدوث تغيير هيكلي، حيث التصنيع القائم على العمالة الكثيفة يفسح الطريق للصناعات والخدمات المتقدمة مع زيادة المهارات والدخل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"