نظام العمل عن بُعد

01:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي*

بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد، وتقليل عدد الموظفين القادمين إلى المكاتب وتطبيق ما يسمى بحملة «التباعد الاجتماعي». يحدث حالياً تغيير كبير في بيئة العمل وتصوراته في عدد كبير من البلدان في العالم، حيث يعمل المزيد والمزيد من الموظفين، ولا سيما في الشركات الكبرى، من منازلهم باستخدام تكنولوجيا المعلومات، بغض النظر عن الوقت والمكان الذي يريدونه من خلال استعمال آخر الصيحات التكنولوجية والإلكترونية، وهو مشهد كان يعتقد أنه موجود في «وادي السليكون» في الولايات المتحدة فقط. نظام العمل الذكي يمكن أن يحدث ثورة كبيرة في دوائر العمل المختلفة، فهو نظام مرن ومتجدد، ويراعي الظروف الشخصية والأوضاع؛ ويتم تطبيق نظام العمل الذكي بأربع طرق مختلفة.

أجهزة الاتصالات يمكنها مساعدة الشخص في أداء عمله في المنزل من خلال استعمال جهاز إلكتروني خاص. الموظف الذي يتطلب عمله أو ظروفه الحركة المستمرة يمكن له إنجاز عمله بواسطة التلفون الذكي النقال، ويمكن له تحديد ساعات عمله بالكيفية التي تناسبه وتناسب العمل. يمكن أيضاً للشخص أداء أعماله من داخل مراكز إلكترونية متخصصة قريبة من منزله بدلاً من تكبّد مشقة التنقل كل يوم من منزله إلى مكان عمله البعيد.

الأمر ببساطة أن نظام العمل عن بُعد يعطي العامل فرصة تشكيل يوم عمله بالصورة التي تناسبه وتناسب العمل من حيث الزمان والمكان. وهذا النظام يساعد في تحسين فاعلية العمل، ويضع حداً لمشكلة إهدار وقت طويل في التنقل والمواصلات، ويساعد في تحسين العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة، وهو ما سيساعد بدوره في حل مشكلات أخرى مثل مشكلة تفشي البطالة المقنّعة باعتباره عبارة عن شبكة عمل تُمكّن أفرادها من أداء أعمالهم في أي مكان وأي زمان من خلال استعمال أجهزة المعلومات والاتصالات.

مع التوسع في تطبيق نظام العمل عن بُعد، يتم استخدام العمل الذكي كفرصة لتجربة «التحول الرقمي» وهو أحد تجليات الثورة الصناعية الرابعة، حيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع تطبيق نظام العمل الذكي الذي يسهم في مواجهة انتشار الأمراض المعدية. وهو ما ظهر مع قيام شركات تكنولوجيا المعلومات بعمل نظام مجاني عبارة عن مركز اتصال يعمل بالذكاء الاصطناعي، وعبره يتم التحقق من الظروف الصحية للمواطنين المعزولين بسبب أعراض الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ويسأل النظام المواطنين عما إذا كان لديهم أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة أو السعال الجاف، وبناء على إجاباتهم يقوم النظام على الفور بإنشاء قاعدة بيانات، وتجميع إحصاءات وتحليلها، وهكذا فإن حلول الذكاء الاصطناعي مثل هذه تسهم كثيراً في الاستجابة بكفاءة لأي كوارث، ومواجهة انتشار الأمراض المعدية.

لكن لا يخلو نظام العمل عن بُعد من بعض الصعوبات؛ وأكثر الأشياء صعوبة هي توفير بنية تحتية مناسبة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بطريقة تسهل انسياب المعلومات، فالشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي لا تستطيع الاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، تجد من المستحيل عليها السماح لموظفيها بالعمل من منازلهم بسبب التكاليف. ولذا لجأت بعض الحكومات في أزمة الكورونا إلى دعم نفقات العمل للشركات الصغيرة التي تخطط لاعتماد نظام العمل عن بُعد. إضافة إلى بعض الآثار الجانبية لنظام العمل عن بُعد، فقد يضطر الناس الى العمل لفترة أطول لمجرد أنهم يعملون خارج المكاتب.

كما يمكن أن يبرر نظام العمل الذكي عملية إعادة الهيكلة، لأن أولئك الذين يعملون من المنازل يمكن اعتبارهم فائضاً في العمالة. وبعبارة أخرى، يمكن أن يؤدي نظام العمل الذكي إلى نتائج عكسية إذا تم تنفيذه بشكل غير صحيح. كما لا يمكن إنكار عامل البنية الاجتماعية والثقافية، فقد تكون الدولة متطورة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتلفونات الذكية، لكن البنية الاجتماعية والثقافية ضعيفة، وهناك العديد من البنيات التي تحتاج إلى إصلاحات كبيرة من النواحي القانونية والمؤسسية وغيرها. وأظهرت أزمة كورونا ضرورة تقوية هذه البنيات، وضرورة مواكبة ومطالبة كل القطاعات ببذل جهود متنوعة للإسهام في خلق أرضية صلبة للعمل الذكي.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"