لا علاقة للإنتاج بارتفاع أسعار النفط ... د . أيمن علي

01:50 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم تفلح الزيادة في انتاج النفط السعودي بدءا من 10 مايو/أيار الجاري بمعدل 300 الف برميل يوميا في الحد من ارتفاع اسعاره في اسواق العقود الآجلة . ومع وصول الانتاج السعودي الى 45 .9 مليون برميل يوميا لتعويض نقص الانتاج من بعض المناطق المضطربة، لم يتأثر العرض كثيرا خصوصا ان المعروض النفطي بالفعل يكفي الطلب الفعلي ويزيد . مع ذلك ضغط الكونجرس الامريكي على الرئيس جورج دبليو بوش كي يوقف تزويد الاحتياطي الاستراتيجي بالنفط في محاولة لخفض اسعار المحروقات، على الرغم من ان كل ما يتم شراؤه لا يتجاوز 76 ألف برميل يوميا . ولا غرو، فحاويات الاحتياطي الاستراتيجي الامريكي ممتلئة بنسبة 97 في المائة تقريبا وفيها اكثر من 700 مليون برميل .

وتبقى اسعار النفط مرتفعة فوق حاجز 125 دولارا للبرميل، وقاربت نسبة ارتفاع اسعار النفط خلال الاسبوع الاول من مايو/أيار 9 في المائة، مواصلة ارتفاعا بدأ منذ مطلع العام وبلغ حتى الآن 25 في المائة . وكانت اسعار النفط شهدت في العام الاخير ارتفاعا بمقدار الضعف او اكثر، مرتفعة من 62 دولارا للبرميل قبل عام الى فوق 127 دولارا الآن . وتشير كل التوقعات الى استمرار ارتفاع الاسعار، بغض النظر عن سياسة منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) بشأن انتاجها، اذ ان سوق الطاقة يخضع لعوامل اخرى غير العرض والطلب . ولا يعكس هذا التوجه المنحى الموسمي التقليدي لاسعار النفط اذا كانت تعتمد على اساسيات السوق من عرض وطلب، اذ ان الطلب يتراجع تقليديا في الربعين الثاني والثالث من العام . كما ان السوق مشبع بالخام، كما اكد امين عام اوبك، ولا يوجد أي نقص في المعروض حتى رغم بعض المشاكل في اماكن الانتاج . انما العامل الاساسي في ارتفاع الاسعار، واحتمال استمرار ارتفاعها، هو الدخول الكثيف لصناديق الاستثمار الى سوق العقود الآجلة ومضارباتها على الاسعار الى جانب استمرار انخفاض قيمة العملة الامريكية، الدولار .

وما يستحق الاهتمام هو ارتباط ارتفاع اسعار النفط بانخفاض سعر الدولار امام العملات الاخرى في العالم . اولا، وبما ان النفط مسعر بالدولار الامريكي فان استمرار انخفاض الدولار يعني ان القيمة الفعلية لسعر النفط ليست بالكبيرة كما هي الاسعار الاسمية التي تحدد في السوق . وايضا بسبب التسعير، يصبح النفط مغريا للشراء من قبل المستثمرين المتعاملين بعملات اخرى غير الدولار، كاليورو والين والاسترليني . ومع ابقاء بنك انجلترا (المركزي البريطاني) على اسعار الفائدة عند 5 في المائة، وما صدر عن رئيس البنك المركزي الاوروبي الذي يحدد اسعار الفائدة في دول اليورو من ان معدلات التضخم تقلقه ومن ثم لن يخفض الفائدة وربما يرفعها، يقبل المستثمرون على تلك العملات . إن التعامل في اسواق العملات والمضاربة عليها لم يعد مصدر اغراء للمستثمرين، في ظل ازمة التباطؤ في الاقتصاد العالمي واحتمالات الركود . ومن ثم، وبدلا من المضاربة على الدولار الذي يتوقع كثير من المحللين ان يواصل التراجع في قيمته يضارب المستثمرون على سلع مقومة بالدولار كالنفط والذهب .

بالطبع، هناك عوامل تتعلق باساسيات السوق تعزز ارتفاع اسعار النفط، لكنها ليست بقدر تأثير انخفاض قيمة الدولار ومضاربات المستثمرين . فالاضطرابات في بعض مواقع الانتاج تحجز بعض النفط عن السوق، لكن الانتاج الزائد على الحد من بعض الدول التي لديها طاقة انتاج احتياطية يعوض ذلك النقص، كما حدث من السعودية مؤخرا . فنيجيريا مثلا لا تزال تنتج باقل من ربع انتاجها على الاقل، نتيجة الاضطرابات في منطقة دلتا نهر النيجر، وكذلك الوضع الامني في العراق والسودان وغيرهما يؤثر الى حد ما في السوق، ولو من قبيل التاثير النفسي في المتعاملين في العقود الاجلة خشية نقص المعروض . واضف الى تلك العوامل ذات الطبيعة التكهنية التخوف من ان توقف فنزويلا صادراتها النفطية للولايات المتحدة الامريكية . وكانت صحيفة امريكية نشرت تقريرا عن أدلة تفيد بدعم الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز للمتمردين ضد حكومة كولومبيا، ما يعني ان واشنطن قد تفرض عقوبات على فنزويلا، وتعزز ذلك التكهن بحادثة اختراق مقاتلة امريكية للاجواء الفنزويلية وزيادة التوتر بين واشنطن وكراكاس . وبما ان فنزويلا تورد القدر الاكبر من انتاجها النفطي لامريكا، فان احتمال تصاعد التوتر بين البلدين قد يعني وقف الصادرات .

الا انه، وحتى لو وقع الاسوأ واوقف تشافيز تصدير النفط مباشرة لأمريكا، فإن الامريكيين سيشترون النفط ذاته من السوق عبر وسطاء، ما يعني انه لن يكون هناك نقص في الامدادات وان ارتفعت الاسعار بعض الشيء، فليس بالقدر الكبير . لكن مثل تلك الأنباء والتقارير تغذي عمليات المضاربة في الاسواق بما يرفع الاسعار ويعود بالارباح الطائلة على المستثمرين الكبار . بالضبط كما يحدث في سوق الاغذية والسلع الزراعية، اذ يؤدي التهويل الاعلامي الى الاقبال على شراء العقود الآجلة وارتفاع الاسعار . ولا علاقة لذلك بالمعروض الحقيقي، سواء من النفط او الغذاء والمواد الزراعية، وانما هي تفاعلات ما يسمى المعروض الورقي في اسواق العقود الآجلة التي تشهد مضاربات المستثمرين الكبار .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"