أهمية الصحة للاقتصاد

01:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي*

زادت أهمية الصحة العالمية بدرجة هائلة خلال العقدين الماضيين مع شغل هذا الموضوع مكانة رئيسية كمؤشر وأداة رئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولذا كان من الطبيعي أن تهيمن أنباء انتشار فيروس كورونا الجديد على أخبار الصحة العالمية وتجلب إلى الأذهان مقارنات مع غيره من الأمراض المعدية القاتلة مثل الطاعون والجدري وشلل الأطفال، وفيروس نقص المناعة (الإيدز) وغيرها، حيث بدأ نوع جديد من فيروس كورونا في الظهور في شهر ديسمبر الماضي في مدينة ووهان الصينية، وظل هذا الفيروس ينتشر انتشاراً واسعاً ليس فقط في الصين؛ بل في بلاد عديدة أخري.

وضمن الجهود الرامية إلى كبح هذا النوع الخطر من الفيروسات، قررت الحكومة الصينية رفع حالة التأهب الاحترازي مثلما فعلت عند تعرض الصين لتفشي متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) عام 2003، كما بدأت مختلف دول العالم في اتخاذ إجراءات حجر صحي طارئة لمنع انتشار الفيروس وتحوله إلى وباء.

وتعتبر مدينة ووهان الصينية مصدر انتشار فيروس كورونا الجديد، حيث تم رصد أول ظهور للفيروس المشتبه بأنه فيروس كورونا في سوق لبيع ثمار البحر بالجملة في المدينة.

ويعنى هذا أن هناك احتمالاً كبيراً لانتقال هذا الفيروس من الحيوانات البرية إلى الناس، ولكن لا يزال مصدره المحدد مجهولاً. والأسوأ من ذلك هو احتمال أن ينتقل الفيروس بين الناس، لكن على الرغم الهجمات الكبري السابقة والأخطار المعاصرة على الصحة العامة، يجب ألا ننسى أن البشرية حققت إنجازات هائلة في الوقاية من الأمراض المعدية والتعامل معها، ويرجع جانب كبير من هذا التقدم إلى ازدياد فرص الحصول على المياه النقية ومرافق الصرف الصحي، وتطوير اللقاحات الآمنة والفعالة واستخدامها على نطاق واسع، وتحقيق ثورة في عالم التشخيص والعلاج الطبي وتحسين مستويات التغذية والتعليم والدخل، وكانت هناك مساهمات كبيرة أيضاً من النظم الصحية، مما يؤدي إلى تحسين السلوكيات الصحية ورفع المعايير الصحية ومستوى البرامج التدريبية، إضافة إلى المحافظة على العاملين في مجال الرعاية الصحية وتحفيزهم وتمكينهم.

بالنسبة لتأثير فيروس كورونا الجديد على الاقتصاد العالمي، فقد تنفس العالم الصعداء بعد تخفيف حدة الحرب التجارية التي استمرت 18 شهراً بين الولايات المتحدة والصين، إثر التوقيع على ما يسمى ب«المرحلة الأولى» من الصفقة التجارية بين البلدين في البيت الأبيض، يوم 15 يناير، والتي كانت بمثابة خطوة مهمة للغاية بالنسبة للعالم، نظراً إلى أن النزاع التجاري وجّه ضربة قوية للاقتصاد العالمي، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

العالم فوجئ بظهور ذلك الفيروس الجديد في الصين، وهو أمر له بالطبع تأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي سيما اقتصاد الصين؛ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك نتيجة تأثير حظر السفر بشكل كبير في الاقتصاد، في حين أبدت تحليلات أخرى قلقها من أن انتشار ذلك الفيروس في الصين يتزامن مع انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 1% أو حتى أكثر في الربع الأول من عام 2020، ولذا فإنه يمكن أن يضر أيضاً بأجزاء أخرى من الاقتصاد العالمي.

فإذا شهد الاقتصاد الصيني نمواً بوتيرة أبطأ من تلك المتوقعة، فستتأثر الدول الأوروبية التي تعتمد على الصادرات الصينية بذلك، وسيتأثر أيضاً اقتصادا الولايات المتحدة واليابان.

ويقودنا ذلك إلى أهمية الصحة من الناحية الاقتصادية، وتتمثل أدق الأدلة في تحليل الاقتصاد الجزئي؛ لأنها تقوم في المعتاد على حجم العينات الكبيرة وأدوات القياس الوفيرة لمستويات الصحة والدخل ومحدداتها، ولا جدال في أن الصحة هي أحد الجوانب الأساسية للرخاء، وهناك مسارات عديدة يمكن من خلالها تحسين وحماية الرفاهية البشرية للأفراد والمجتمعات على السواء.

وعلى الرغم من الأخطار المستقبلية، فإن الابتكارات التكنولوجية والمؤسسية تبشر بإنجازات كثيرة تجعل العالم أكثر صحة وثراء ومساواة وأمناً. والإنفاق على الصحة لا يتوقف على مجرد نفقات استهلاكية تشكل عبئاً على الموازنة، فهو استثمار في الإنتاجية، ونمو الدخل والحد من الفقر. و في السنوات الأخيرة قام الخبراء الاقتصاديون بتعميق فهمهم لأهمية الصحة من الناحية الاقتصادية، واعتبروها أحد أشكال رأس المال البشري الذي يمكن استخدامه بشكل أفضل على غرار المعرفة والمهارات لدى الشعوب.

وما دامت الصحة تمثل عاملاً ومحدداً أساسياً لقيمة العمل، وهو الأصل الرئيسي الذي تمتلكه معظم الشعوب الفقيرة، فإنها تتسم بأهمية خاصة لقدرة الأفراد والأسر على النهوض بمستوياتهم المعيشية، أو إبقائها فوق خط الفقر، وتظل الصحة في مركز الصدارة في جدول أعمال التنمية العالمي.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"