مشكلة الاقتصاد البريطاني ... د . أيمن علي

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

جاءت تحذيرات اتحاد الصناعات البريطانية منتصف يونيو، بخفض توقعات نمو الاقتصاد البريطاني العام المقبل إلى أدنى مستوى في نحو عقدين، لتضيف إلى مؤشرات متواترة على ان حكومة حزب العمال الحاكم تواجه معضلة حقيقية في النقطة البيضاء الاساسية في حكمها اكثر من عقد وهي الاقتصاد . ولم تكن بيانات اتحاد الصناعات الوحيدة التي تحمل بشائر سيئة لمستقبل الاقتصاد البريطاني حتى نهاية العام المقبل .

وسبق وخفضت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي توقعاتها لنمو الاقتصاد البريطاني بأقل من توقعات وزارة الخزانة البريطانية، كما ان الارقام والبيانات الشهرية منذ مطلع العام والبيانات ربع السنوية للربعين الاول والثاني تشير إلى تباطؤ واضح في الاقتصاد البريطاني بدأت تظهر آثاره في ارقام الناتج الصناعي واعداد العاطلين عن العمل . وأصبح الاقتصاد يسرح عاملين أكثر مما يخلق وظائف، ما يدل على انكماشه . ومع تراجع سوق العقار واستمرار انخفاض أسعاره منذ نهاية العام الماضي، لتتفقد البيوت اكثر من 7 في المائة من قيمتها، يتوقع ان يؤثر ذلك في انفاق المستهلكين . ففي بريطانيا أكبر من نسبة من السكان تملك بيوتها، ويعد العقار استثمارا ادخاريا لكثير من الاسر البريطانية . ومع انخفاض الأسعار تشعر تلك الأسر بفقدان ثروة اضافية تراكمت لديهم نتيجة تضاعف أسعار العقار في السنوات الاخيرة . ويؤدي ذلك بالطبع إلى ضغط انفاق تلك الاسر في اقتصاد يشكل الانفاق الاستهلاكي نحو نصف ناتجه المحلي الاجمالي . وان كانت أرقام مبيعات التجزئة لشهر مايو/أيار أظهرت نموا كبيرا على غير العادة، فإن ذلك لا يمكن أخذه كمؤشر على مجمل العام والأرجح ان المتوسط السنوي لمبيعات التجزئة لن يشهد نموا كبيرا . وبدأت بعض شركات التجزئة تحذر من تراجع ارباحها بالفعل قبل بيانات الربع الثالث من العام وارقام العام كله بعد أشهر .

وأخطر ما يواجه الاقتصاد البريطاني الآن هو مشكلة التضخم، التي عزاها بنك انجلترا إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء . وتلك الارتفاعات مرشحة للاستمرار، أقله في المدى القصير ان لم يكن المتوسط، ما يعني استمرار الضغوط التضخمية . ووصل معدل التضخم في مايو إلى 3 .3 في المائة، اي اعلى كثيرا من المستهدف الرسمي عند 2 في المائة .

وفي الوقت الذي تطالب فيه الاعمال والقطاعات الاقتصادية البنك المركزي بخفض الفائدة لتشجيع النشاط الاقتصادي وتفادي الركود، يجد البنك نفسه مغلول اليد امام ارتفاع معدل التضخم الذي يتطلب رفع سعر الفائدة للحد منه . وترك بنك انجلترا سعر الفائدة كما هو عند 5 في المائة في يونيو/حزيران الماضي ويتوقع ان يفعل الشيء نفسه هذا الشهر . ويبدو ان البنك يؤثر السلامة بترك الضغوط التضخمية تأخذ مداها لتبدأ في التراجع قبل ان يقرر تعديل السياسة النقدية في اتجاه التشديد أو التخفيف .

لكن وضع الاقتصاد البريطاني اكثر تعقيدا مما يمكن ان تحل مشاكله سياسة نقدية للبنك المركزي تتعلق بأسعار الفائدة على اهمية تلك السياسة . فهناك دورة نمو متصل طويلة لا يمكن الحفاظ عليها، ولا بد لها من تصحيح ما، وقد بدأ ذلك فعلا في قطاع العقار وقطاع البنوك . كما ان الحكومة اسرفت إلى حد ما في الاستدانة لتمويل عجز الميزانية بقدر جعل قدرتها على تحفيز النمو الاقتصادي بجرعات تنشيط مالي محدودة جدا .

مع ذلك يستبعد كثير من الخبراء البريطانيين حتى الآن على الاقل احتمال دخول الاقتصاد البريطاني في ركود تام (بمعنى نمو سلبي للناتج المحلي الاجمالي لربعين متتالين في العام) على الرغم من التباطؤ الشديد . لكن حتى اذا لم يدخل الاقتصاد في ركود، فالارجح ان فترة النمو البطء ستستمر حتى نهاية العام المقبل على اقل تقدير . وإذا تضافر ذلك مع استمرار ارتفاع معدل التضخم، ستشهد بريطانيا شكلا من اشكال الركود التضخمي، أي نمو بطيء وتضخم مرتفع، يزيد من تفاقم مشاكل الاقتصاد .

بارقة الأمل الوحيدة لدى وزير الخزانة، المالية، البريطاني هي ان يضغط على العاملين في القطاع العام وفي كافة قطاعات الاقتصاد البريطاني كي لا يطالبوا بزيادة الاجور لمواجهة اعباء التضخم . ومن غير الواضح، في ظل العلاقات غير الجيدة بين حزب العمال الحاكم وقواعده من نقابات العمال، اذا كان سيتمكن من تحقيق ذلك دون مشاكل سياسية واجتماعية قد تهدد فرص الحزب في البقاء في السلطة عندما تجرى انتخابات عامة بعد عامين .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"