تنسيق الاستثمار الخليجي

00:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
قال رئيس الوزراء القطري على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا قبل ايام، ان بلاده ستستثمر نحو 15 مليار دولار أمريكي في القطاع المصرفي العالمي في الفترة المقبلة. وتلقفت وكالات الأنباء التصريح في إطار الاهتمام بالاستثمارات الخليجية في البنوك العالمية التي تعاني من أزمة الانكماش الائتماني العالمي وتعرضت لخسائر هائلة نتيجة الانكشاف على مخاطر انهيار سوق العقارات الأمريكي واضطرارها لشطب المليارات من الديون العقارية الرديئة في السوق الأمريكي.وتأتي الاستثمارات القطرية بعد حزمة من الصفقات التمويلية للبنوك الكبرى في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة من صناديق ومحافظ سعودية وإماراتية وكويتية.ومن المنطقي أن تسعى الأموال القطرية للاستفادة من الفرص المتاحة في سوق المصارف الكبرى للحصول على انصبة من بنوك كبيرة في اطار استراتيجية استثمار على المدى المتوسط والطويل.إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت انباء مثيرة حقاً، إذ بدأ عدد من الصناديق القطرية التابعة لهيئة الاستثمار القطرية في شراء أسهم بنك كريدي سويس، أحد أكبر البنوك الأوروبية، وبأسعار عالية رفعت قيمة حصة الأقل من خمسة في المائة التي ترغب قطر في الحصول عليها إلى ثلاثة مليارات دولار. وكانت تعليقات مديري المحافظ القطرية ان ذلك استثمار لا علاقة له بأزمة المصارف العالمية وليس تمويلا لبنك في ورطة، اذ ان البنك السويسري لم يضطر الا إلى شطب اقل من ملياري دولار نتيجة ازمة القروض العقارية الرديئة. ثم ما لبثت الأنباء السيئة حول أزمة أعمق لدى كريدي سويس في دفع اسعار اسهمه إلى أسفل، ما سهل الحديث عن نية صندوق إماراتي لشراء حصة من اسهم البنك (بأرخص كثيرا مما اشترى به القطريون). وربما كان المستفيد الأكبر من ذلك التنافس مجموعة العليان السعودية، التي تعد من اكبر المساهمين في البنك السويسري إلى جانب شركة التأمين الفرنسية اكسا.ذكرني ذلك التنافس بين الأموال الخليجية في سوق الاستثمارات الخارجية بقضية اخرى، إذ شهدت السعودية مؤخرا حملة جماهيرية ضد ارتفاع اسعار الحليب الذي تنتجه شركات كبرى عدة اضطرت لرفع الأسعار لتواكب كلفة الانتاج. واقتصاديا، ربما تأخر قرار الشركات في رفع الأسعار، التي كانت خفضتها بشدة قبل سنوات في اطار ظاهرة خليجية عرفت وقتها باسم حرق الأسعار لمنتجات عدة في مقدمتها الحليب. كانت تلك الظاهرة نتيجة تنافس عنيف بين الصناعات المتشابهة في الدول الخليجية، استطاعت فيه شركات سعودية ان تخرج صناعات اخرى من السوق لقدرتها على خفض الأسعار إلى ما دون كلفة الانتاج احيانا.عكست تلك الظاهرة وقتها مشكلة عدم التنسيق الاستثماري بين الدول الخليجية الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، اذ انه كلما نجح مشروع ما أو صناعة ما انبرى كثيرون في البلد نفسه أو في البلاد الأخرى يستثمرون في مشروع مشابه من دون حسابات دقيقة لاحتياجات السوق وإنما تقليدا في اغلب الأحيان. ولعل دخول الوحدة الاقتصادية الخليجية حيز التنفيذ مطلع هذا العام يقلل من احتمالات تكرار تلك الاستثمارات المقلدة، ومن ثم تفادي عمليات الاغراق ناهيك عن الخسائر التي تصيب صغار المستثمرين مقابل الكبار الذين يستطيعون تحمل حرق الأسعار.هذا عن الاستثمار الوطني والاقليمي في الدول الخليجية وفيما بينها، والذي يمكن تنظيم التنسيق بينه عبر لوائح واجراءات خليجية في اطار مجلس التعاون تكمل اللوائح الوطنية لكل دولة. لكن ماذا عما يحدث بين الأموال الخليجية من الدول المختلفة في استثماراتها الخارجية.على الرغم من ان غالبية مديري الاستثمار في الصناديق الخليجية هم من الأجانب (معظمهم بريطانيون) الا أنهم ممن يفهمون طبائع المنطقة، وأحيانا ما يقومون بما قد يقوم به المستثمرون المحليون على خلفية التقليد والتنافس الذي ذكرناه في نموذج شركات الألبان. وفي النهاية يكون هم مديري الاستثمار اتمام الصفقات بما يرفع حوافزهم، وهناك مبرر دائم لأي تغيرات في الأسعار على اعتبار ان تلك طبيعة السوق. كما يمكن هنا المقارنة بصناديق وشركات اوروبية تسعى للتنافس والاستحواذ داخل البلد الأوروبي الواحد أو عبر الحدود في دول الاتحاد الأوروبي من دون ان ينظر إلى ذلك على انه عدم تنسيق، بل تنافس في سوق مفتوح.لكن الأمر بالنسبة للاستثمارت الخليجية مختلف، فتلك في معظمها ثروات سيادية، اي اموال دول أو شبه ذلك. وهناك نموذج العام الماضي على نجاح التنسيق بين الخليجيين في استثماراتهم الخارجية وان تم على اساس عملي صرف وبأيدي مديري استثمار اجانب ايضا، لكن بتفاهم بين المسؤولين في دبي وقطر. وتخلت قطر عن عرض استحواذ لبورصة أو إم إكس التي تملك بورصات دول اسكندنافيا مع احتفاظها بنصيب عشرة في المائة فيها لتفسح الطريق امام بورصة دبي، بالاشتراك مع ناسداك، للاستحواذ على أو إم إكس. وفي المقابل تخلت دبي عن جزء من نصيبها في بورصة لندن لقطر لتصبح ثاني مستثمر اجنبي في سوق لندن بعد دبي.فهل يمكن القياس على ذلك النموذج لاعتماد نهج تنسيقي لتفادي تنافس غير مبرر قد لا ينفع سوى المستثمر الأجنبي في الأصل الاستثماري المستهدف خليجيا! محلل اقتصادي
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"