«ترامبي» في أوروبا؟ (2-2)

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
إن عموم السياسات الاقتصادية الأوروبية منطقية أكثر في التجارة الدولية والضرائب والإجراءات والقوانين. هم الرئيس دونالد ترامب اليوم هو مراجعة الاتفاقات التجارية؛ لأن في اعتقاده أن أمريكا تخسر منها دون أن تكون هنالك دلائل واضحة على ذلك. همه تخفيض الضرائب على الميسورين، وتخفيف القيود على الأسواق المالية، التي وضعت بعد «الركود الكبير»؛ لتجنب تكرار مثل تلك الكوارث. هذا ليس موجوداً في أوروبا، إضافة إلى أن الدول الأوروبية تتعافى تدريجياً من مشاكلها الكبيرة، وتتحسن تنافسيتها؛ لكن نسب النمو ما زالت منخفضة والبطالة مرتفعة نسبياً، إضافة إلى ارتفاع نسبة الدين العام من الناتج في العديد من الدول. تحتاج أوروبا إلى العديد من الإصلاحات كي تخف الفوارق بين الدول، وتتعزز المؤسسات المشتركة ليس فقط في الصلاحيات، وإنما في الموازنات أيضاً. هذا صحيح، لكن أوضاعها الحالية بالرغم مما سبق لا يمكن أن تؤدي إلى انتخاب شبيه بالرئيس الأميركي.
ما الذي تحتاج إليه أمريكا اليوم ليس فقط لتقارب الوضع الأوروبي، وإنما لتحسن ظروف الطبقات الوسطى الأمريكية كما سكان الريف والمناطق وكافة الأعراق والأجناس داخلها؟
أولاً: في المالية العامة؛ حيث لا بد من تخفيف عجز الموازنة وبالتالي الدين العام وهذا يتطلب جهوداً كبرى في تخفيف الإنفاق والهدر. من الصعب أن يتحقق ذلك في ظروف المواجهة العسكرية الحالية مع كوريا الشمالية والسياسية مع بقية العالم. من الصعب أن يتحقق في ظل وعود الرئيس بالإنفاق على البنية التحتية التي شاخت وهذا ضروري، إلا أن التمويل يجب أن يأتي من خارج الموازنة، وهنالك طرق عدة معروفة يشارك فيها القطاع الخاص في التمويل والإيرادات. ضمن الإطار المالي، الشعب موعود بنظام ضرائبي جديد وبإصلاحات عميقة ليس في النسب فقط، وإنما أيضاً في الهيكلية الضرائبية علماً أن الخوف يبقى من أن يتم ذلك على حساب الفقراء.
ثانياً: لا بد من الاستمرار في رفع الفوائد؛ إذ إن السياسة النقدية المعتمدة منذ ولاية «ألان غرينسبان» لم تعط إلا فقاعات كبيرة في الأسواق، ولا بد من تغييرها. إلا أن قرار استبدال «جانيت يللين» حاكمة المصرف المركزي بغيرها لا يبشر بالخير، ويشير إلى أن توجه الإدارة الأمريكية اليوم ما زال لمصلحة الأغنياء وكبار الشركات والمستثمرين، ولا تقبل به يللين.
ثالثاً: في التجارة الدولية؛ حيث يخطئ الرئيس، أن ما تربحه الدول الأخرى تخسره أمريكا. تشير الوقائع منذ الحرب العالمية الثانية إلى أن الجميع يربح من التجارة، وأن يكن بنسب وطرق وأشكال مختلفة تبعاً لأوضاع كل دولة. في الإحصاءات ارتفعت التجارة العالمية سنوياً ب 3% بين عامي 2012 و2015 مقارنة ب 7% بين 1987 و2007. من أسباب الانخفاض مؤخراً أن فرص التصدير خفت؛ لأن كل الدول ترغب به، كما أن العرض تعثر؛ لأن الإنتاجية عموماً لم تنمو بنسب الماضي البعيد. المطلوب تجارة أكثر وليس أقل. المطلوب حمايات أقل وليس أكثر. التخفيف من التجارة يضر بالطبقات الوسطى والفقيرة وليس العكس.
رابعاً: مراجعة سياسة الهجرة الأمريكية كما يقترحها ترامب تضر بأميركا وهي مبنية على واقع اليوم، ولا تنظر إلى المستقبل من ناحيتي الإنتاجية والازدهار والنمو. من مصلحة أمريكا الاستمرار في جذب الأدمغة الذين صنعوا أمريكا العظمى وطوروا التكنولوجيا والصناعات. نقل النظام الأسترالي المبني على النقاط يناقض التاريخ الأميركي، علماً أن الوضعين الأمريكي والأسترالي غير متشابهين على الإطلاق لا في الهيكلية ولا في الإنتاج والتنوع والأهداف.
خامساً: النظر أكثر إلى الحاجات الاجتماعية وأهمها الصحة؛ حيث إن رفض «أوباما كير» دون مشروع بديل يؤدي الخدمات نفسها بتكلفة أقل لن يقبله المجلسان التشريعان، وهذا ما ظهر بوضوح منذ أسابيع. هنالك سياسات تساعد العمال على التطور والتدريب ويمكن تمويل بعضها من الموازنة، ما يساهم في رفع الإنتاجية على المدى البعيد. باختصار سياسات ترامب قصيرة النظر ولا تخدم المستقبل، أي أمريكا النوعية والإنتاجية والنموذج.
لويس حبيقة
* كاتب اقتصادي لبناني
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"