عادي

لماذا تستهدف طالبان باكستان حملات الرعاية الصحية؟

02:19 صباحا
قراءة 4 دقائق

استؤنفت في الرابع من يناير/كانون الثاني حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال، في شمال غرب باكستان، تحت حماية الشرطة وقوات شبه عسكرية، بعد سلسلة من الهجمات على العاملين في تلك الحملة- والعاملات بوجه خاص- أسفرت عن قتل تسعة منهم- بينهم 5 نساء- في ديسمبر/كانون الأول، وآخرين في مطلع العام الجديد . . . فمن الذي يستهدف أولئك العاملين، ولماذا؟

في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، (2-1-2013) كتب طه صِدّيقي، إن حركة طالبان والجماعات المنتسبة لها، تستهدف العاملين في مجال المساعدات لعدة أسباب، كما يقول خادم حسين الذي يرأس واحدة من كبرى شبكات المدارس الخيرية الخاصة في ولاية خيبر باختونخْوا في شمال غرب باكستان . فأولاً، يعتقد المسلحون أن جماعات تقديم المساعدات لديها أجندة مناوئة للمسلمين، وأنها تتجسس على السكان المحليين، وثانياً، تساوي الجماعات بين الحملات الصحية، وبين تحديث المجتمع، المخالف لعقيدة بعض الأصوليين الإسلاميين . كما تعتقد بعض الجماعات، أن الهدف إعطاء اللقاح، هو إصابة الأطفال المسلمين بالعقم .

وفي صحيفة الغارديان، (2-1-2013) ترى عافية شهربانو، ضيا، أن العنف الذي يُشنّ على العاملين، في قطاع الرعاية الصحية في باكستان، موجه ضدّ المرأة الباكستانية تحديداً، انطلاقاً من فهم خاص للعقيدة الدينية، ولا يكفي اعتباره جزءاً من انعكاسات الحرب على الإرهاب، كما يدّعي البعض .

تقول الكاتبة: ما كاد يمرّ شهران على إطلاق النار على ملالا- الفتاة التي استهدفتها حركة طالبان في سوات، بتهمة علمنة المجتمع من خلال حملتها الرامية إلى دعم تعليم البنات- حتى قُتل بالرصاص تسعة أشخاص مسؤولين عن إدارة حملة التطعيم الحكومية ضد شلل الأطفال، في تسع مدن باكستانية مختلفة . وكان ذلك جزءاً من خطة اغتيالات مدبّرة ومنسقة، تم تنفيذها في أقل من 48 ساعة . وكان من بين العمال التسعة القتلى، خمسُ نساء . وعلى الرغم من أن حركة طالبان اعترفت علناً وباعتزاز، بمحاولة اغتيال ملالا، وبررت دافعها إلى ذلك، بأنه محاولة لوقف أجندتها لهدم الدين وإشاعة العلمانية، فإن الحركة تنصلت من مسؤوليتها عن قتل العاملين في التطعيم ضد شلل الأطفال .

وقد احتج الناشطون المؤيدون للمساواة بين الجنسين، وأنصار حقوق الإنسان، على ما ترتكبه حركة طالبان من أفعال، ولكنهم أشاروا زيادة على ذلك، إلى التشابك والتداخل بين خطاب كل الحركات المسلحة، وأجنداتها واستراتيجياتها العنفية، وبين خطاب واجندات واستراتيجيات الجماعات الأصولية الدينية السائدة ورجال الدين . ولكن منتقدي نشطاء حقوق الإنسان يتهمونهم بالتحامل على المسلحين والأصوليين الدينيين، ووصمهم بالشرّ، ويطالبون بالنظر إلى مثل ذلك العنف، في إطار شبكة علاقات السلطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي تحوي بداخلها أفعالاً كهذه .

وتردّ الكاتبة على ذلك قائلة، إن الظروف التي تخلق جماعات مثل طالبان، ليست وحدها التي تحتاج إلى تفحص وتدقيق، بل يجب علينا بالقدر نفسه، أن نرى كيف أن خطاب القتالية الدينية يشجع ويعزز ويتواطأ، مع كل أشكال كره النساء القائم على الدين في باكستان .

ففي ما بين عاميْ 2006 -2009 حاولت حركة طالبان بعد غزوها لمنطقة سوات الباكستانية، أن تطبق برنامجها المنظم والعنيف لفرض تصورها للشريعة على جمهورية باكستان، التي هي إسلامية أصلاً . وقد دمرت طالبان صناعة السياحة التي تشتهر بها سوات من خلال سلسلة من عمليات قطع الرؤوس، والشنق (لبائعات هوىً، ومُزينين وعاملين في مجال الترفيه)، في الساحات العامة في البلدة .

وما إن سيطرت الحركة على سوات، بعد حصار دام ثلاث سنوات، حتى حظرت حملات التطعيم ضد شلل الأطفال، ودمرت 165 مدرسة بنات، و22 صالون حلاقة، وحظرت كل الموسيقا وكل دور السينما، ومعظم المنظمات غير الحكومية في المنطقة .

وقد تضمنت دراسة في المجلة الطبية البريطانية، بعنوان كيف قوضت طالبان الرعاية الصحية للمجتمع في سوات، باكستان، مقابلات معمقة مع عاملات بشتونيات في المجال الصحي، مقيمات في سوات، لقياس آثار مخاطر وعنف طالبان عليهن .

وتبين الدراسة الأثر المدمر الذي خلفته الحركة، على البنية التحتية لصحة المجتمع، حيث تزايدت الوفيات أثناء الولادة، وتعرضت العاملات في الصحة أيضاً، إلى النبذ الاجتماعي، بسبب حملات التشهير التي شنتها الحركة عليهن، بينما رحلت كثيرات منهن أو توقفن عن العمل، بسبب التهديد المباشر لحياتهن .

وتذكر الدراسة بعض الاستراتيجيات التي تتبعها حركة طالبان، ومن أشدها، نشر أسماء العاملات في الصحة، وفضحهن، عبر إذاعة محلية، وإصدار ثلاث فتاوٍ ضدّهن .

وتشير الدراسة إلى أن تلك الفتاوى الدينية، أشد أثراً حتى من التهديد بالخطف، أو تنفيذ الزواج القسري، أو القتل، وذلك لأن هذه الفتاوى، ليست موجهة ضدّ الخدمات الصحية في حدّ ذاتها، بل ضدّ فكرة وجود النساء في المجالات العامة، حيث تعتبر الحركة ذلك، شكلاً من أشكال الفجور السافر .

وقد أعلنت الفتوى الثانية أن عمل المرأة بأجر مخالف للشرع، كما أعلنت الفتوى الثالثة، أن العاملات في الصحة يهدمن النظام الاجتماعي الذكوري، لأنهن يسافرن من دون مَحْرم، ويتنقلن من بيت لبيت، ويتشبهن بالرجال . وكان لهذه الأحكام الإلهية أثر هائل في تشويه سمعة العمل في الرعاية الصحية الأساسية، لأن العاملات في الصحة أصبحن يوصَمْن بأنهن مومسات وخادمات لأمريكا .

وتقول الكاتبة، إن جوهر ومنطق الفتاوى الثلاث، متداخلان، وهما بارزان بدرجات متفاوتة في الخطاب الذي يستخدمه العديد من الإسلاميين المتشددين .

وتورد النساء اللواتي قابلتهن المجلة البريطانية أمثلة محددة على قطع الرؤوس، والجلد علناً، إضافة إلى الضرب العلني، وإطلاق النار على بيوتهن وقتل أفراد من عائلات زميلاتهن .

وتقول الكاتبة، إن قتل العاملات في التطعيم ضد شلل الأطفال، قد يكون من فعل طالبان أو لا يكون، ولكن حديث طالبان عن حملات التطعيم، ينسجم وحديث الأصوليين الدينيين في باكستان . إن الأحزاب الدينية الرئيسة تؤيد التطعيم لشلل الأطفال (إذ تدعي أنها مناوئة للأصولية)، ولكنها لا تدين طالبان على فظائعها بهذا الخصوص . وتناشد الكاتبة المفكرين والمثقفين، التحلي بالنزاهة الكافية لتحديد كل تلك الجرائم ضد النساء، المرتبطة مباشرة بالأصولية الدينية . وأن يكفوا عن القول، إن العنف ليس نابعاً من أصولية دينية، وأن الامبريالية، هي التي أدت إلى وجوده، وأنه ردّ فعل عليها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"